يمل الإنسان من الروتين السنوي، ويمل من روتين العمل اليومي ويمل من الطعام اللذيذ لو تكرر يومياً، ما عدا الطبخات الثلاث التي تطبخهم زوجتي لا أملُّ منهم، هكذا الطبيعة البشرية تواقة للتغيير، فلو مرضتَ فترة وامتنعت عن اللحوم وتعافيت، لتشوقت أشد الشوق للحوم ولكانت أقصى طموحاتك تناول اللحوم، في حياتنا اليومية ولكيلا يبقى الإنسان على الوتيرة نفسها، هُنَاك مواسم وأوكازيونات، تجد الملابس معلقة ولا تفكر في الشراء، ولكنك لو سمعت بوجود تخفيض على الملابس لسارعت بالشراء.

يقدم لك الدين في عباداته مواسم متنوعة، حتى لا تبقى على النمط نفسه طوال العام، فهُنَاك رمضان حيث الشوق لفطور الصباح، للقاء الحبيب في النهار، لشرب كأس شوكو مع مطالعة كتاب في الظهيرة، الشوق للنزهات والعزائم النهارية، فضلاً عن عشرات الاختلافات الأخرى في شهر رمضان في كل نواحي الحياة، بعد رمضان تتجدد الحياة في عينيك، ولو كنتُ مسؤولاً لجعلت لطاقمي أياماً لتغيير النمط المعتاد حتى لا يملوا، كأس الأمم الأفريقي، وكلاسيكو الكرة الأوروبية.

ماذا عن تكفير الذنوب طوال العام، بالتأكيد الإله يخبرك تعال يا عبدي في أي وقت، إلا أنّ العبد كسول بحاجة إلى حافز أو دفعة بسيطة، فالعبد حينما يسمع بوجود تخفيض على الملابس سيسارع أكثر، شهر رمضان، ليلة القدر، العشر الأوائل، عاشوراء، الثلث الأخير وغيرها من الأوكازيونات التي تجعل الأمر مُمتِعاً للبعض، فمنا من يشتري القميص وقت الحاجة ومنا من يشتري دائماً، وبعضنا بحاجة إلى العروض، والخيارات كلها موجودة في الدين وكل شخص ينتقي ما يناسبه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ الله ينزل في الثلث الأخير من الليل. الآن لدينا الثلث الأخير وبعد ساعات عند غيرنا وقبل ساعات كان الثلث الأخير عند غيرنا لأن الليل متقلب، إذن فالله موجود حولنا طوال الوقت، وهو قريب من الناس، وليلة القدر كذلك تستمر يومين ولربما أكثر قد يشاهد قوم ما القمر اليوم وقوم شاهدوه غداً فصاموا، وهؤلاء يكرمهم الله ليلة القدر وهؤلاء كذلك، وفي كل مدينة يتقلب عليهم الليل يكون لديهم في ذلك اليوم ليلة القدر، أي أنها تستمر لأيام وليس ساعات.

فإن كان هُنَاك ثلث أخير من الليل في مكانٍ ما والله يتنزل طوال الوقت، والقياس نفسه على ليلة القدر، فلماذا إذاً هذا التخصيص، على ما يبدو أنّ هذا لاستنهاض الهمم وعدم تركها على حالها، والحث على القيام والدعاء، أيضاً هذا يعني أنّ باب الله مفتوحٌ طوال الوقت ولا يغلق أبداً، وهو ما يدعو إلى شحذ الهمم والتشمير والجِد حتى يصل الإنسان طوال العشر الأواخر إلى لحظة إخلاص في الإيمان أو صفاء قلب فيدعو الله فيستجيب له، ولو كانت كل اللحظات سواء لما اجتهد الإنسان حتى يصل ويترقب ليلة القدر، لذلك كافة الأوقات مستجابة فيها الدعوة وباب الله مفتوح والعشر الأواخر يجب الاهتمام بها كلها والجد والاجتهاد للوصول إلى لحظة رجاء وإخلاص مع الله، فيتقبلكم الله.


اترك تعليقاً