وزاوية أخرى نسلط الضوء فيها على انعكاسات اللُغة على التفكير وقولبة العقل في مفردات وحدود لغوية هي المغالطات والمفارقات، والمغالطات هي محاولة تبريرية عبر الاستدلال ولكن بطريقة غير صائبة، قد تبدو للوهلة الأولى صحيحة، إلا أنها على الأغلب خطأ في الاستدلال، وتحدث غالباً في النقاشات إذ يستند شخصٌ ما على موقف معين ويحاول الاستدلال بطريقة يعتقدها منطقية على حجته تبدو في ظاهرها صحيحة، لكنها تكون غير منطقية، وتتداخل المغالطات والمفارقات مع المنطق بشكل كبير.

على سبيل المثال، يؤمن المرء في مُغالَطة الاستناد على احتمالية الوقوع بأن حجته سليمة لأنه من الممكن أن تحدث، وفي مُغالَطة التفكيك يستند الشخص على أنه ما دام هُنَاك مسألة صحيحة بالنسبة للكل، فهي حتماً صحيحة بالنسبة للأجزاء الأخرى، وأيضاً من المغالطات الشائعة مُغالَطة الاستدلال الدائري، ففيها يستدل المتكلم بالدليل من استنتاجه، أو يستدل بالنتيجة من مقدمته، كأن يسأل القاضي المتهم: هل أذنبت؟ فيقول المتهم: أنا لم أذنب، واسأل صديقي فلان وأنا أضمن صدقه، أو تقول أنّ القرآن صحيح وهو من الله، فيسألك أحد: لماذا؟ فتجيب: لأن الله قال فيه “إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون”

أما المفارقة أو المعضلة فهي حجة أو بيان يبدو ظاهرياً جميل، إلا أنه يناقض نفسه أو يُؤَدِي إلى استنتاجات غير منطقية، وأشهر مثال على أبسط المفارقات هي مفارقة الكاذب، فإذا أتاك شخص وأخبرك قائلاً: أنا كاذب فأنت أمام خيارين، إن صدقته فهو يخبرك أنه يكذب، وإن كذبته فهو صدق حين أخبرك، ولا مجال لحل نهائي فيها لأن المُشكِلة فيها تعود إلى آلية عمل اللُغة مع العقل، والأوسع من مفارقة الكاذب قليلاً مفارقة كريت ثم مفارقة بينوكيو والمعروف في الرواية أنه كلما كذب بينوكيو نما أنفه، والمفارقة تظهر حينما يقول بينوكيو أنفي ينمو الآن، ثم مفارقة التمساح أعلى بدرجة إذ تفترض أنّ تمساحاً سرق طفلاً من أبيه ثم وعد الأب أن يرجع طفله إليه إذا تنبأ بشكل صحيح إذا ما كان التمساح سيعيد الطفل للأب أم لا.

ويكون أمامنا أربع خيارات وهي:

جدول1 مفارقة التمساح

إذا قرر التمساح أن

يبقي

الطفل،

والأب تنبأ أن التمساح سوف

يبقي

الطفل،

فالناتج سيكون

مفارقة

يعيد

الطفل سيبقى

يعيد

يعيد

الطفل سيعود

يبقي

مفارقة

يبدو الحل منطقياً إذا تنبأ الأب بأن يعيد التمساح الطفل، لكن المعضلة تظهر إذا تنبأ الأب ألا يعيد التمساح الطفل.

وفي مفارقة الاستثناء، نجد أن جملة لكل قاعدة استثناء، تُوقعنا أيضاً في معضلة، فحتى هذه القاعدة حسب الجملة يجب أن يكون لها استثناء وهو عدم استثناء القاعدة هذه، وصورة أخرى في المعضلة نفسها مثل: إذا كان كل شيء ممكن، فمن الممكن أن هناك شيء غير ممكن، وهو ممكن حسب القاعدة! وكذلك جملة: هناك قاعدة واحدة وهي عدم وجود أي قاعدة، وهذه المفارقات تذكرنا بأسئلة، من خلق الخالق، ومن يسبق الأول، وهل يستطيع الخالق أن يخلق شيء لا يمكنه التحكم به وغيرها.

لهذه المغالطات دورٌ في تشكيل جزء من المفاهيم التي قد تعزز الطاقة الخاصة بك للتفكير، وذلك عبر رؤيتك بوضوح للعيوب في حججك وفي حجج الآخرين، وقد بتنا نعرف أنّ اللُغة هي أداة للتفكير، فنحن نتكلم بها مع أنفسنا ونرد عليها، ونعرف كيف نفكر وكيف نحاور وأين العيوب والنواقص فينا، وحينما نتعرف على بعض أنواع الحجج السيئة، نكون قد تدربنا بشكل أفضل في تحليل حجج الآخرين، ونستطيع أن ننظم أفكارنا ونرتبها وننسقها حتى لا نقع في هذه المغالطات، بل ولربما نتصيدها عندما يستخدمها غيرنا، إنه مستوىً عالٍ من التفكير والذكاء، والمغالطات هي ما أوصلتنا إليها، ومن هذا يتضح أنّ المغالطات هي إحدى أمراض اللُغة لذا هي نافذة مهمة تطل على الحقيقة.


اترك تعليقاً