المرأة
كانت المرأة وما زالت على مر العصور والأزمنة محط أنظار الفلاسفة والمفكرين وموضع آخر لجدلهم، ورأينا كيف اعتقد أرسطو أنّ المرأة ناقصة وأنها رجل غير كامل [145] وكيف رآها سقراط كالشجرة السامة، واستعرضنا رؤية فلاسفة آخرين للمرأة، ولكن ماذا عن رؤية الإسلام للمرأة.
وفي ساعة نزول القرآن كان التعدد في الزواج بلا أي حد، وكانت المرأة سلعة تُوَرّث عن الرجل المتوفى، وكانت المرأة لا ترث، وغيرها من صور عبودية المرأة المنتشرة، لكن القرآن فتح وجهة واضحة للانتقال بها إلى درجة المساواة العادلة، حتى وإن لم ينطق بأحكام نهائية بهذا الخصوص نظراً إلى طبيعة اللحظة الثقافية والحضارية، لكنه أعلن بما لا يقبل مجالاً للشك مساواتها مع الرجل في أصل الخلق )خلقكم من نفس واحدة( ثم جعل القرآن الأجر متساوياً عن أي عمل صالح )ومن يعمل صالحاً من ذكر أو أنثى(، وتكمن المُشكِلة فيمن لا يريد الالتفات إلى طبيعة لحظة التنزيل ومستواها الحضاري وطبيعة لحظتنا هذه، ما زاد الطين بلة هي تلك الروايات المستوردة في معظمها من التوراة عن المرأة، والتي لا علاقة لها بالقرآن، ثم إضافات التاريخ التي كانت تعبر عن ثقافة لحظتها، والتي ألبسها واضعوها لباس الدين، مع أنه يستحيل للإسلام أن يتحيز إلى الرجل دون المرأة، أو أن يضع في اعتباره مشاعر الرجل ويهمل مشاعر المرأة، ويحتقر الأنوثة أو ينظر إليها بنزعة جاهلية يزدريها الإسلام وينكرها أشد الإنكار، ويكفي أن نذكر هنا قوله تعالى: )والمُؤمِنون والمُؤمِناتُ بَعْضُهُمْ أولياءُ بعضٍ يأمرون بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ(.
والقوامة التي منحها الإسلام للرجل على المرأة ليست قوامة تسلط أو استبداد أو قهر، وإنما هي قوامة مسؤولية وخدمة للمرأة والأسرة نفقةً وحمايةً وقياماً بأداء الواجبات، والدرجة التي في قوله تعالى: )وللرجال عليهِنَّ درجةٌ( هي درجة في المعاشرة بالمعروف بأداء كل ما لها عليه، والتنازل عما له عليها.
ومن أمثلة ما أورثه الجهل أحد الجمل المنتشرة في الدين وهي: “إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي” وهي منسوبة لأحد التابعين، وتوحي الجملة إلى أنّ المرأة ملك من الأملاك مثلها مثل الدابة والخادم والحمار، وهي تتبع الرجل وحق من حقوقه اشتراها حين زواجه، وحينما يعصي الرجل ربه، فإن الله يسخر له دابته وحماره وزوجته لكي يزعجوه ضريبة معصيته. هذا يحيل المرأة إلى شيء تابع لا كيان لها حقيقي في الحياة، وأنها مثل الدواب مسيرة بمعاصي زوجها أو بحسناته، وفي حين أنّ القرآن يقول امرأة فرعون لا يسخرّها الله على فرعون بأفعاله فهي مستقلة عنه لأنها صالحة، وأنّ نوحاً رغم أنه نبي صالح، إلا أنّ امرأته كانت غير صالحة دائماً وليس كرد فعل على أفعاله، وغيرها من الآيات والمواقع، فإننا نحن المُسلمون ما زلنا نضرب هذه الآيات بعرض الحائط، ونقول أنّ المرأة ملك من الأملاك يحركها الله لتزعج المالك أو ترضيه! ويضيف جواهر لال نهرو في كتابه لمحات من تاريخ العالم، بأنّ المرأة العربية لم تكن تعرف أية عزلة على الإطلاق، فقد كانت تذهب إلى السوق، وتصلي في المسجد [6] بل وتشارك في الغزوات، وأنشأت حلقات العلم الخاصة بها، وإنّ ما ظهر من عزل للمرأة وتغطيتها نتيجة انتصار العرب على الأمم الإمبراطوريات المجاورة، وانتقال بعض عادتهم إليها، ونتيجة لذلك بدأ نظام “الحريم” يظهر وما يتعلق به من عقبات.
صورة 43 هارمندير صاحب، المعبد الذهبي أحد أماكن العبادة المقدسة لدى السيخية
والسيخية محاولة دينية ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي لدمج الإسلام والهندوسية في دين واحد، تأسست على يد شخص هندوسي، يؤمنون بخالق واحد، ويمنعون تصويره أو تجسيده، لديهم معتقدات مثل إطالة الشعر من المهد إلى اللحد، ولبس السوار والتبان! والقائد الديني فيها يسمى المهراجا، وكتابهم آدي كرانت عبارة عن نصوص الصلاة ومجموعة من الأناشيد.
ونجد في القرن الحديث أنّ تسخير جمال المرأة في الإعلانات يحتل مكانة مهمة في التأثير النفسي على المشاهدين، ونلاحظ أنّ المعلنين عادة ما يسعون إلى تكوين صورة ذهنية للمنتج ملتصقة بصور الإغراء، ولا شك أنّ هذا الأنموذج يقدم المرأة ككائن بلا عواطف ودون قدرات عقلية، وأصبحنا نشهد استعمالاً مرناً ومتحرراً للجسد الكاشف وسلعنة الجسد الأنثوي[7]! وتعمل الإعلانات على تقديم أنموذج المرأة الغربية كقدوة في مظهرها وأنموذج يحتذى به، وخاصة عندما تظهر في الإعلانات نجمات هوليوود أو عارضات الأزياء أو حتى المطربات للإعلان عن منتج ما بلباس يمس صميم الحياء والحشمة في الحركات والإيماءات، وهذه الصورة مرفوضة بالمطلق في الدين لأنها تُثير الفحش في المجتمع وستؤدي إلى جرائم التحرش والاغتصاب، وبذكر التحرش والاغتصاب نجدهم سيدي المواقف كلها في المجتمع المتحضر، ولعل تأجيل الإعلان عن جائزة نوبل للأدب دليلاً دامغاً على انحطاط من لا دين له.
وفي جو الشهوات هذا نجد أنّ النساء والفتيات وقعن في حالة تنافس مرضي كل واحدة ترغب أن تَفُوق الأخرى في مقاييس الجميلات لتسرق الأنظار والأضواء والكاميرات، وكل منهنّ تود أن تكون محط الاهتمام والانبهار، هذا المناخ يفرز حالة من السباق الأنثوي نحو الجمال والكمال المطلق، فتصطف النساء والفتيات في ورش التجميل والنفخ والشد وتصبح كل منهنّ مهووسة بالتَّفوُق الجسدي المصنّع وكل ذلك ينعكس بدوره على الرجل، مناخ عام مشبع الإثارة، وبعد أن كان من الطبيعي أن ترتدي الزوجة لزوجها ملابس بسيطة لتكفيه، يُصبح القدر الطبيعي من الإثارة بلا تأثير، تموت الإثارة الطبيعية، ويصبح السعي نحو الإثارة غير الطبيعية، وتصبح العلاقة الزوجية غير مشبعة إلا بالغرابة، تنتشر رغبة الشُذُوذ والاغتصاب، فتباع في المحال قيود وأدوات إهانة النساء وتمثيل الاغتصاب، ويصبح الزواج نفسه غير كافٍ لأن الإثارة المعروضة كثيرة ومتنوعة، وهنا يفشل تحقيق أهم أغراض الزواج ألا وهو العفاف، ويمسي المتزوجون متحرشين خونة، ولهذا يرفض الدين من الأساس تسليع المرأة ويخبرها أن تعف نفسها دائماً، وعلى الرجل أن يغض بصره خارج منزله دائماً.
ومهما تطورت البشرية سيبقى النهم للطعام وللطرف الآخر وجداني فيها ولا فِكاك منه، حتى لو عشنا في بدائل بشرية surrogates سيبقى كلٌ من الرجل والمرأة ينظرون للطرف الآخر بدافع غريزي أبد الدهر، كل ما نستطيع فعله هو التقليل من الأذى الغريزي أو تهذيبه، لن نستطيع منعه إلا إذا حولنا الإنسان إلى كائن آخر، وللتخفيف من التحرش وسائل كثيرة مثل سن القوانين الصارمة من قبل الدولة، واتخاذ الإجراءات اللازمة الأخرى مثل تعطيل الانحطاط وتزويج الشباب وإتاحة الفرص لهم وإغلاق المواقع الإباحية كما الصين وغيرها، كذلك التوعية في المدارس والمؤسسات ونشر الأخلاق والمبادئ الصحيحة، أيضاً استخدام الدين في التهويل والوعيد والتشجيع، نعم يا عزيزي الدين عامل مهم حين القول للمتحرش أنّ الله يسخط عليك وهذه ليست من أخلاق الصحابة وغيرها من الأساليب المبتكرة فيه، واستخدام العادات والتقاليد وتذكيره بالشهامة وأخواته وأمه، ولم لا، ولو وُجدت دراسة من سيريلانكا تقول أننا لو فعلنا كذا وكذا سيقل التحرش لوجب علينا النظر لها واستخدامها وعدم التردد.
للحشمة دور أيضاً، لا يقول شخص سُرق بيته لا تلمني لأن بيتي دون باب، إننا لا نلومك ولكن لو كنت قد وضعت باباً لكان أفضل يا عزيزي، وكذلك الأمر لو شاهد الذكر مفاتن واضحة وجذابة سواء لفتاةٍ مُنتقبة أو لفتاة تلبس تنورة فوق الركبة، سوف تثيره ولو كان ابن مئة وعشرين سنة، فلن تكل عينه ولن تذهب نضارته.
ولا تحاول عزيزي الستيني يا من تختلف قدراتك عن قدرات الشاب العشريني القول إنّ هذا تخلف وكبت بسبب الدين ولا أعلم كيف لشاب أن تستثيره أصابع قدم فتاة وكيف تستثيره فتاة منقبة عيونها مكحلة وجلبابها يشف أو يصف، لا أيها الختيار، سوف تستثيره وحينما كنت شاباً كنت تستثار بسهولة.
لا يختلف اثنين أنّ هُنَاك ملابس للنوم وملابس للرياضة وملابس للبحر وملابس للمناسبات وملابس للغرائز، المرأة لا ترتدي الحذاء عندما تنام، ولا ترتدي الحشمة عندما تكون بجوار الزوج ولا ترتدي البكيني عندما تذهب إلى الكنيسة أو المسجد، إذاً فلباس المرأة سُلُوك أيضاً وقد يكون سُلُوكاً محترماً أو غير محترم وهذا الفعل قد يكون فعلاً قاصراً أو فعلاً مُتعدياً، الغرض من ملابس الرياضة أن تمتص العرق، وتأثيرها قاصر على من ترتديها وملابس النوم الغرض منها أن تكون مُثيرة وهو فعل مُتعدٍ يتأثر به مفعول به وهو الرجل.
الملابس الأنيقة فعلٌ قاصرٌ ينعكس على فاعله بالجمال، أما الملابس المُثيرة هي فعل متعدٍّ ينعكس على من يراه بالإثارة، لذلك فارتداء المرأة ملابس مُثيرة لزوجها أمر مفهوم، لكن ارتداءها ملابس مُثيرة في الأماكن العامة هو أمر يحتاج إلى تفكير، فإذا كانت تود أن تبدو مُثيرة لنفسها إذا مرّت مصادفة أمام مرآة، فهذا فعل من أفعال النرجسية المريضة، ولو أنها ترغب بأن تكون مُثيرة في عيون الرجال جميعهم فهذا فعل من أفعال المجون ودرجة من درجاته، فبائعة الهوى ترتدي دوماً ما يجعل جسدها يبدو كبضاعة مرغوبة ومطلوبة بهدف أن تحصل على المال وملابسها هذه تهدف إلى أن تجعل الرجل لا يقاوم لهفة عينيه في النظر إلى جسدها وكأن ذلك يمنحها قدراً من النشوة المريضة، أو أنّ قناعتها بقيمتها الوجودية قاصرة على قيمتها كجسد.
أما عن زواج القاصرات فهو ليس سُلُوكاً مرتبطاً بالدين، بل هو سُلُوك مرتبط ببعض القبائل والمجتمعات، ففي أمريكا مثلاً هُنَاك 200 ألف حالة زواج قاصر خلال السنوات الماضية، بل وهُنَاك حالات بعمر 11 عام [182]، أي أنّ الأمر مرتبط بالمجتمعات وعاداتهم وليست في الدين نفسه، فالدين ضيق على شروط الزواج نفسه ولم يفصل بُنود مُحددة، بل ونجد أنّ من يحاربون الدين بحجة أنّ المتدينين متخلفون لأنهم يقومون بتزويج بناتهم قبل سن الثامنة عشرة قد فقدوا عذريتهم في سن الـ14، وشتان بين الزواج والجنس العابر، ولا يعرف الإسلام معاشرة الأطفال، ولا أدري لماذا يتم تجاهل أنّ سن الزواج في الدين يخضع للعادات والأعراف بشرط عدم الإضرار، ولا أدري لماذا نتجاهل أنّ سن الزواج في القرون الوسطى في أوروبا كان من سن الحادية عشرة فما فوق، ولا أدري لماذا نتجاهل أنّ السن القانونية اليوم لمُمَارسة الجنس في أوروبا تبدأ في بعض البلاد من الثانية عشرة في بعضها وليس هُنَاك نص قانوني بذلك أصلاً، وفي بعض ولايات أمريكا يجوز التزويج دون الثامنة عشرة بإذن القاضي.
ولا أرى مُسوِّغاً قٌبول فكرة تعدد العلاقات، وعدم قٌبولها في حالاتها المناسبة في حالات تعدد الزوجات المشروط، إذ تقول وزيرة المواطنة في فرنسا: إنّ فرنسا مع الحُريّة في الحب، مع حُريّة الجنس، مع الحُريّة العاطفية، فرنسا تدعم التحرر، هي لا تمانع العلاقات خارج الزواج (الخيانة الزوجية)، لا تمانع المُمَارسة الثلاثية للجنس بين الأزواج وغير الأزواج، ففرنسا تسمح بالجنس الجماعي بكل أشكاله، وتسمح بتعدد العشاق، إلا أنّ تعدد الزوجات مخالف لهذه المبادئ، وستقوم بترحيل أي شخص يقوم به! مع العلم أنّ تعدد الزوجات يمارس من قبل غير المُسلمين في العالم وهُنَاك مطالبات كثيرة من بعض البروتوستانت والكاثوليك الذين لديهم تعدد زوجات بالسماح به في أمريكا ودول أخرى حول العالم، فهو حل حقيقي لبعض المشكلات التي لا حل لها.
قضايا عديدة مرتبطة بالمرأة والزواج تطرح ليل نهار بطرق شتى تجعل الحليم حيران، لكن لننظر للثمرة، ثمرة قيمة الأم والزوجة والابنة والأخت لدى المجتمعات، لنعرف الحقيقة.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.