كثيراً ما يتم ذكر البكتيريا والبراميسيوم والبروتوزووا وغيرها أنها من الكائنات الدنيا وأنها كائنات بسيطة وبدائية، ومع تقدم العلم أكثر في دراسة هذه الكائنات، وُجد أنها كائنات كاملة واعية لها مخططها في الحياة وهدف مُحدد وآلية عمل منتظمة، ولنأخذ مثالين لتوضيح الفكرة المرتبطة حول أنها كائنات مُعقَّدة.
تُعتبَر البكتيريا من أبسط الكائنات الحية وأولها حسب التطور، البكتيريا موجودة تقريباً في كل مكان على الأرض وهُنَاك أنواع عديدة جداً منها، وهُنَاك تصنيفات حسب معيشتها، وتصنيفات حسب شكلها، وهُنَاك حسب العائل مثل الإنسان أو النبات، فالبكتيريا التي تصيب الإنسان مصممة له وكأنها وجدت معه، لكن من المفترض أنّ الأشكال المُعقَّدة من الحياة (كالإنسان) قد تطورت من أشكال الحياة البسيطة (كالبكتيريا)، إذن، كيف صممت البكتيريا نفسها لكي تصيب الإنسان القادم منها بعد ملايين السنين؟
لا يهم هذا لدى التطور، كيف للبكتيريا أن تفهم جسم الإنسان ومستقبلاته وترتبط بها وكيف للفيروسات أن تفهم الشيفرة الوراثية الكاملة للإنسان الآتي بعد ملايين السنين بعدها، لنرَ هذه البكتيريا وبساطتها بعد رؤية حواسها التي تثير الدهشة والغرابة، وسنذكر فقط أجهزة الاستشعار التي بواسطتها تستطيع هذه البكتيريا الإحساس بالبيئة المحيطة والتفاعل معها، لكي تحافظ على نفسها وتبقى على قيد الحياة، وتحتاج البكتيريا أن تبحث عن الطعام، وأن تتعايش مع بيئات عدائية في أغلب الأحيان وغيرها من سيناريوهات الحياة القاسية.
تُعد الأوليات أكبر مجموعة من الحيوانات وحيدة الخلية وعلى رأسها في الشهرة هي الأميبا، ولُوحظ أنّ الأميبا تطارد وتمسك بأوليات أخرى مثل البراميسيوم، الأمر أشبه بأسد يطارد حماراً وحشياً، هُنَاك أيضاً مجموعة من الأوليات التي تسمى المصيصيات لا تطارد غيرها للحصول على الطعام، بل تُلحق نفسها بأسطح متعددة وتمد مجساتها وتنتظر مرور كائن غير محظوظ من الأوليات مثل البراميسيوم بالقرب منها، وإذا لامسته بمجساتها فإنّ الفريسة ستُصاب بشلل على الفور، وتقوم بامتصاص جسمه عبر المجس، مما يحول الفريسة إلى غلاف منكمش في غضون دقائق، والطريقة الفعلية لنقل محتويات الفريسة غير معلومة، لكنها مدفوعة بمجموعة مدهشة من الأنيبيبات الدقيقة التي توجد داخل مجسات المصيصيات.
بعد الحصول على وجبة جيدة، ربما تُقرر المصيصيات أن تتزاوج، وهي عملية تتطلب اتصال المجسات المتحورة مع بعضها البعض مما يسمح بتبادل النوى لديها، وهي تمتلك نواة كبيرة واحدة وثلاث أنوية صغيرة، وتعيش هذه الكائنات متصلة بصفائح الخياشيم لنوع من القشريات يعيش في الماء العذب وهو الجاماروس، إذ يطرح الجاماروس قشوره باستمرار، ويخاطر المصيص بالبقاء على قشرة خالية، وفقدان الدفق المستمر من المياه على صفائح الخياشيم وما تجلبه من فرائس [10].
غير أنّ الدندروكوميتس (أحد أنواع المصيصات هذه) يدرك المراحل الأولى لعملية طرح القشور ويتحول إلى شكل يحمل أجزاء تعرف بالأهداب، تسمح له بترك هذا الكائن والعثور على مجموعة جديدة من صفائح الخياشيم، وهكذا، فإنّ للكائنات وحيدة الخلية نمط حياة على درجة التعقيد نفسها الموجودة في العديد من الكائنات متعددة الخلايا.
يوجد في النباتات وحيدة الخلية مثل الطحالب الخضراء مثل النوع كلاميدوموناس بقعة عينية داخل البلاستيدة الخضراء تظهر تحت الميكروسكوب الضوئي، والبقعة العينية هي كتلة متشابكة من الأغشية تضم صفوف من الحبيبات التي تحتوي على نحو ٢٠٠ نوع مُختلف من البروتينات، بما في ذلك الرودوبسين الموجود في شبكية العين لدى البشر، و تجعل الإشارات الصادرة من البقعة العينية الحساسة للضوء السياط الموجودة على سطح الطحالب تتحرك في أشكال مُختلفة، إذ تسبح الطحالب باتجاه الضوء، ولكن بعيداً عن الضوء الشديد، وعلى الرغم من أنه قد يُنظر إلى البقعة العينية على أنها عين بدائية، إلا أنه لا يوجد هُنَاك آلية لتكوين الصور، وليس هُنَاك حاجة لذلك؛ إذ توفر البقعة العينية جميع المعلومات المطلوبة لاحتياجات الكائن، مما يساعده على تمييز إيقاع الليل والنهار والقيام بالنشاط الخاص بالتمثيل الضوئي على أفضل نحو ممكن [10].
أثناء دراسة احتمالات تكوين البروتينات لخلية الخميرة البسيطة توّصل كلٌّ من البروفيسور بيتر تومبا وجورج روز [40] إلى أرقام إحصائية مدهشة، فاحتمالية تكوّن سلسلة من رفات الإيثانول كانت احتمال واحد من 10^95 احتمال، ثم قام العالمان بجمع الاحتمالات كلها معاً ليظهر لنا رقم مرعب وهو 10 مرفوعاً للأس 79,000,000,000 مع العلم أنّ عدد الجزيئات في الكون يقارب من 10 مرفوعة للأس 79 دون باقي الأصفار [41]، وهذا ما يغير الفكرة عن الكائنات التي يُقال عنها أنها بسيطة، حيث يتضح أنها كائنات شديدة التعقيد.
بالمجمل هُنَاك الكثير من الأمور المُدهشة التي تقوم بها الكائنات البدائية وعلى رأسها البكتيريا مثل:
- تستطيع البكتيريا أن تشعر بالصوت وتميزه وتتصرف بناء عليه، أي أنّ للبكتيريا آذاناً كيميائية.
- تستطيع البكتيريا شم المواد الكيميائية وتتقرب إليها أو تبتعد عنها، وبناء على توافر معادن معينة في البيئة المحيطة تستطيع البكتريا أن تستشعر بها وتقترب منها أو تبتعد عنها.
- بعد أن تشم المواد، تتذوق البكتيريا هذه المواد وتميز ما يناسبها.
- تستجيب البكتيريا للضوء كما لو أنّ لها عينين، وتتصرف بناء على درجة الضوء.
- تشعر البكتيريا بالجاذبية.
- وتشعر كذلك بالمجال المغناطيسي.
- وتشعر كذلك بالضغط الأسموزي Osmolality وبالضغط الملحي Osmolarity وتميزه وتتصرف بشكلٍ واعٍ بناءً على ذلك.
- تُميّز وتشعر بالأس الهيدروجيني pH الذي له دور كبير في تحرك البكتيريا وعملياتها، ولديها مستقبلات إلكترونات، فهُنَاك بكتيريا تلتهم الإلكترونات.
- تُميّز تغييرات درجة الحرارة في الوسط المحيط.
- تحتوي على رادار يُميز الفيروسات المحيطة وتتصرف بناء على ذلك.
- ورادار آخر يُميز وجود مصادر طاقة قريبة لتتغذى عليها.
كل عملية من العمليات السابقة كلّفت البشرية عشرات الاكتشافات ومئات العُلماء لبناء أجهزة استشعار لها في هذا القرن المتطور، فضلاً عن مئات العمليات اليومية التي تقوم بها البكتيريا مثل تصنيع البروتينات والانقسام الثنائي والحماية وإدخال المواد وإخراج المواد والأكل والهضم والموت … إلخ، فلا أعلم كيف يمكن اعتبار البكتيريا كائن بسيط في ظل كل هذه العمليات!
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.