إنّ التطفر أو حدوث الطفرة عبارة عن عملية تغيير في تسلسل الأحماض الأمينية في خريطة الدنا، وتغيير تسلسل الدنا من المُفترض أنّ يغير في وظيفة الجين المسؤول عن شيء ما، نحن نعلم أنّ الدنا يتكون من 4 رموز ولنفترض أنها حروف كلمة أبجد، وكان الدنا مرتب لدينا بالشكل الحالي:
أبأببجداًأأأجدجأأأدجدأدأدأدأدأجبجبجبجبجبجب
وحدثت طفرة ما بسبب إشعاع أو مادة كيميائية، وأمسى الدنا منقوصاً بهذا الشكل.
أبأببجداًأأأجدجأأأدجأدأدأدأجبجبجبجبجبجب
فمن المُفترض حسب التطفر أن يعني هذا شيئاً ما، تغيير جين معين، تغيير شكل بروتين معين، أو ما شابه.
يُمكن للتطفر أن يكون مُفيداً أو ضاراً أو بلا أي تأثير للكائنات الحية، فالتطور لا يحاول أن يقدم للكائن الحي ما يريده على طبق من ذهب، هو عملية عشوائية فلا كوابح ولا خرائط له، وأغلب الطفرات لا تقدم فائدة في عملية التطور، هُنَاك نقطة مهمة هو أنّ في كل خلية دنا كامل لجسم الإنسان، ولو حدثت الطفرة في خلية جسدية Somatic cell في الجلد على سبيل المثال، فهذا سيؤثر على الخلية الأخرى المنقسمة منها، ولكن هذه الطفرة لا تنتقل للأجيال القادمة، ولكي تنتقل الطفرة للأجيال القامة يجب أن تحدث في خلايا التكاثر Reproductive cells، الحيوان المنوي في الذكر والخلايا المسؤولة عنه، والبويضة في الأنثى والخلايا المرتبطة بها، وذلك لتنتقل للأجيال القادمة، وإلا فلا هدف تطوري حقيقي من الطفرة.
الطفرات التي تحدث على الجينات تشبه طرق اللابتوب بالمطرقة، ستضره لأنك تمارس عملية هدم إلا إذا حالفك الحظ وهذا أمر نادر الحدوث، بشكل عام الطفرات المُفيدة إما هدّامة Constructive أو بنّاءة Destructive لكن على الأغلب فإن الطفرات هدّامة وليست بناءة، وإنّ التطور يرى خسارة أي جين مُفيد قد يُعد أمراً مُفيداً! كأن أقطع يدك وأخبرك أنك أصبحت أفضل لأنه لا يمكن الآن أن يتم تقييد كلتا يديك خلف ظهرك من قبل حكومتك الدكتاتورية!
مثال آخر على الطفرات الهدّامة هو ما يحدث في مريض الثلاسيميا المصاب بالملاريا، على الرغم من أنّ طفرة الثلاسيميا قد غيّرت في جسم الإنسان كثيراً، لكنها للأسف ليست مُفيدة، على الرغم أنّ مريض الثلاسيميا محفوظ من الإصابة بالملاريا، ولكن انظر إلى صحته ومتى يموت! والثلاسيميا مرض واحد من آلاف الأمراض الأخرى المرعبة التي تقلب حياة الإنسان رأساً على عقب، والتطفر في البشر يشابه التطفر في الكائنات الأخرى، الطفرات مسؤولة عن تغييرات كما حدث في مناقير عصافير داروين، فهي مثال على الطفرات الهدّامة (دراسات حديثة تحيله إلى عوامل فوق جينية كما أشرنا) ولكنها لم تقم بإضافة بيانات جديدة، أيضاً على الرغم من حصول ذبابة الفاكهة على أقدام في رأسها أثناء عمليات التطفر، واعتبر العُلماء أنّ هذا دليل قوي على قوة الطفرات، إلا أنه ما فائدة أرجل في الرأس! من أين تأتي البيانات الجديدة للكائنات الحية، مثل اليد أو العين أو السونار، علاوةً على أنّه لا يفترض أن يكون للصدفة علاقة بما قبلها، فطفرة جيدة ممكن هدمها أو إهدارها بطفرات لاحقة.
بالإضافة إلى أنّ أي تغيير غير محسوب في دنا الكائنات الحية قد يُؤَدِي إلى هلاكها، أبسط الأخطاء من تغيير شكل بروتين أو حذفه أو تعطيله ستكون كارثية على الكائن، فملايين الطفرات لن ينتج عنها ملايين الكائنات الطبيعية، بل سينتج آلاف الموتى، وآلاف الأمراض القاتلة، التي ستجعل الكائن غير قادر على التنافس.
لدينا لوحة الموناليزا، أطلقنا عليها طلقة نارية، هل نتوقع أن تتحول إلى لوحة أفضل! التطفر يفعل الشيء نفسه، طلقة إشعاعية ستثقب الصورة، ومادة كيميائية ستذيب اللون، كتاب من 1000 صفحة قمنا بتمزيق 5 صفحات عشوائية، أو قمنا بنقل 20 صفحة إلى مواضع مُختلفة هل سيبقى الكتاب مفهوماً؟ هل الكتاب الذي يتحدث عن الفيزياء النووية بعد التمزيق سيصبح يتحدث عن حياة الطيور في القطب الشمالي! هذا لا يحصل للأسف.
جرب برنامج يقوم بأخذ حروف من كلمات ويقوم بتبديلها في كلمات أخرى وانظر هل سنحصل على شيء مُفيد؟ ما هي احتمالات أن نقلب الأحرف لنحصل على شيء ذو قيمة، أو حتى الحصول على 3 كلمات متتالية مفهومة، لو افترضنا أن كل كلمة مكونة من 5 أحرف بالمتوسط، ولدينا 28 حرف، فإن الاحتمالات أمامنا هائلة للحصول على ثلاث كلمات متتالية مفهومة وذات معنى مرتبط.
يَفترض دوكينز في كتابه صانع الساعات الأعمى أنّ احتمالية أن يقوم قرد واحد بطباعة هذه الجملة ME THINKS IT IS LIKE A WEASEL هي 1 من 10^40 ولكنه يضيف أننا لو استطعنا حشد 10^40 قرد، ومع كل قرد منهم آلة كاتبه فإنّ حتماً أحدهم سيقوم بطباعة الجملة، ويا لذكاء القرد، فكيف ستضمن أنّ كل قرد لن يكتب ما قد كتبه القرد الآخر في محاولاته! حتماً سيجرب كل قرد كل احتمال، ولن يكون الأمر متتابع، فما قد كتبه القرد الأول قد يكتبه القرد الثاني، وسيجرب احتمال آخر، مع العلم أنه حينما سئل دوكينز عن جلب مثال واحد لطفرة أضافت معلومات وراثية لم يجد إجابة وقطع السؤال!
انسياب المورثات
إنّ انسياب المورثات Gene flow أو هجرتها من البُنود التي تكمل فكرة التطور، فانتقال الأفراد من تجمعات إلى تجمعات أخرى من الممكن أن يساهم حسب التطور في تحسين الصفات وتحديثها، وانتقال البذور إلى بيئات جديدة، أو انتقال البشر إلى مدن جديدة مُختلفة عن السابق من الممكن أن يُظهر نُسخاً من الجينات كانت غير موجودة (حسب
التطور) وهو من العوامل المهمة في الاختلافات الجينية حسب (شكل 32 انسياب المورثات).
لنتساءل مرة أخرى، من أين تأتي المعلومات الجديدة؟ فحوض الجينات يحتوي على المعلومات الوراثية في الأصل، ولا يتم إضافة معلومات جديدة، فاليد قد تصبح أضخم أو أصغر، والذراع قد تصبح أطول أو أقصر أو ربما منحنية قليلاً، لكن لا تتحول الذراع إلى جناح، لا يوجد أي تفاصيل إضافية يمكن إضافتها على أيّ جزءٍ صغير في الكائن الحي، وهذا ما سيُوضحه التطور الصغروي.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.