الصيام في الفضاء
تختلف عدد ساعات صيام نهار رمضان من دولة لأخرى وذلك نظراً للموقع الجغرافي، فكلما ابتعدنا عن خط الاستواء يتطرف الاختلاف بين الليل والنهار، وكلما اتجهنا إلى شمال الكرة الأرضية زادت عدد ساعات الصيام وقلت إذا اتجهنا نحو المحور الجنوبي، وهذا الأمر ينعكس كل فترة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يصوم سكان قارة أستراليا ما يقارب اثنتي عشر ساعة بينما تصل عدد ساعات الصيام في بعض الدول الأوروبية إلى 23 ساعة الأمر الذي أوقعهم في حيرة وارتباك شديدين نتيجة قسوة ظروف الصيام وفتاوى العُلماء السطحية، وما زالت الدول التي تصوم 22 ساعة يومياً أو أكثر في رمضان تواجه المزيد من التعسير في حياتها، فرغم أنّ الظروف قاسية عليهم، إلا أنّ فتاوى الجمعيات والهيئات الإسلامية أقسى عليهم، وهذا يضيف صفحة أخرى في الكتاب الأسود لفهم المُسلمين لدينهم.
الجمعية الإسلامية في السويد أعلنت قبل سنوات أنّ “ساعات الصوم يجب أن تكون من شروق الشمس حتى غروبها، ولا يوجد حل آخر” معتمدين على ظاهر الحديث النبوي حيث الصيام من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس.
وهذا مُستحيل من الناحية العملية، والناس رفضت هذا الأمر، فقالت الجمعية، الذي لا يستطيع الصوم عليه أن يسافر من البلد في رمضان إلى بلد آخر عدد ساعات صيامه أقل، ولكم أن تتخيلوا مقدار التحجر في فهم الدين في هذا المستوى، ومدى الضرر والحرج الذي سيلحق بالمُسلمين هُنَاك.
الفتاوى كثيرة في الصيام في السويد وهذه الدول، منها ما كان يتحدث عن الصيام حسب دولة قريبة مثل البوسنة، وهي فتوى غير مقنعة، لأن المُشكِلة ستحل لفترة وجيزة وليست دائمة، وهو ليس بحل واضح وصارم يمكن للجميع تبنيه مرة واحدة، وهُنَاك فتوى تقول أن يصوم المرء حسب ما يستطيع ويفطر، أي لا ساعات معينة، مثلا تحمل 10، 15، 18، 21 ساعة، قدر ما يستطيع، ثم يفطر، وهي فتوى غير دقيقة ومزاجية وتترك المرء في حيرة.
فتوى أخرى تقول أنّ الصيام حسب توقيت مكة، حيث الساعات معلومة، نمط مُحدد، والتقلب في الصيام على مدار الأشهر ليس بالكبير، علاوةً على القٌبول لدى جميع المُسلمين بمكة، والنفس تميل إلى فتوى الصيام حسب توقيت مكة، وليس فتوى 22 ساعة، أو فتوى أقرب دولة، وما يؤكد على قرب هذه الفتوى، هو أنّ بعض الدول في أقصى شمال الكرة الأرضية أو أقصى الجنوب مثلاً كيرونا Kiruna في السويد يكون لديها ليل طوال 24 ساعة لمدة عدة أشهر في السنة ونهار طوال 24 ساعة في أشهر أخرى، فكيف سيصوم الشخص، هل يصوم 3 شهور متتالية حسب ظاهر الحديث الشريف مثلاً؟ أم سيصوم في بعض الدول 23.5 ساعة، ثم في لحظة منتصف الليل يفطر ويصلي المغرب والعشاء ويتسحر ويصلي الفجر كل هذا في اللحظة نفسها!
هذا غير منطقي على الإطلاق، وهنا تكمُن سوء فكرة الصيام 22 ساعة حسب ظاهر الحديث (الصيام مع الشروق والإفطار مع الغروب)، وأنه يجب أن يكون هُنَاك حلول خارج هذه الدائرة.
يمكن توسيع الدائرة حول موضوع الصيام في الفضاء، فالمُسلم في محطة الفضاء الدولية لديه نهار وشروق شمس ما يزيد عن 15 مرة في اليوم، فكيف سيصوم؟ هل يصوم ويفطر 15 مرة في اليوم بناء على ظاهر الحديث الشريف؟ أم ماذا، وماذا لو وصلنا المريخ -وهذا ما سنفعله قريباً- كيف سنصوم شهر رمضان في السنة، وسنة المريخ تساوي 1.88 ضعف سنة الأرض، أي كل مرتين على الأرض سيصوم مرة على المريخ … إلخ وغيرها من الأمور الشائكة لو أخذنا بظاهر الأمور.
نعود مرة أخرى ونقول الصيام حسب توقيت مكة هو الأنسب لأيسلندا والقطب الجنوبي، للمُسلم في محطة الفضاء، لمُسلم يقطن في المريخ أو يعيش على القمر فوبوس.
ولكن إن قبل أحدٌ ما وصام حسب دولة ما وليس حسب مكة، مثلاً حسب فلسطين لو كان فلسطينياً مثلاً، فيجب عليه الاستمرار في عدد الساعات مع فلسطين أبد الدهر، فلا يصوم مع فلسطين في السنوات المتطرفة التي تصوم دولته في أقصى الشمال أو الجنوب 21 ساعة في رمضان، ثم في السنوات التي فيها النهار 3 ساعات مثلاً يصوم 3 ساعات! لا الأمر ليس على مزاجك، بل يجب عليك الاستمرار في الصيام على حسب فلسطين الحبيبة طوال العمر.
الأعسر
يستخدم الناس عادةً اليد اليمنى للقيام بأعمالهم اليومية إلا أنّ الإحصاءات تشير إلى أنّ هُنَاك 10% ممن يستخدمون اليد اليسرى، ولا يمكن تعديل هذا الأمر من خلال السُلُوك، فلو طلبت من الأعسر أن يستخدم يده اليمنى لفتح الباب طوال عمره، فلن يفلح هذا في تغييره التشريحي وسيبقى يرتاح أن يستخدم يده اليسرى، كانوا قديماً يعدونها إعاقة ويجب تغييرها، أما الآن فالعلم يفهم أنها أمرٌ طبيعي بالكامل وبذلك اختلفت النظرة للأشول (الأعسر)، لكن ماذا عن تناول الطعام والأكل باليد اليمنى؟
إنّ أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحياة غالباً لهدف ذي منفعة وليست مُجرَّد رغبةً بإعطاء الأوامر، فقد كان العرب قديماً يتجمرون في الخلاء، وكانوا بعد قضاء حاجتهم يستخدمون ثلاثة حجارة للطهارة، ومهما نظفوا أيديهم بعد التجمر فلن تكون نظيفة، لأن صابون ديتول والتقنيات الحديثة لم تكن موجودة، ولكن ماذا عن الطعام والسلام بعد التجمر؟ على الأغلب أنّ الرسول أوصى في زمانه أن يقوم الناس بالتجمر باستخدام اليد اليسرى وأوصى بالأكل والسلام باليد اليمنى لأسباب النظافة، فضلاً عن أنهم كانوا يأكلون باستخدام أيديهم -الملوثة- وهو ما قد يكون منفراً، إذن فللقضية علاقة بالنظافة، وما دامت اليد اليسرى نظيفة فلا بأس من الأكل بها.
كثير من الحالات أكون أعمل أو أنّ يدي اليمنى متسخة، فآكل بيدي اليسرى وما المُشكِلة، كذلك الشوكة والسكينة من الصعب عليك أن تقطع بيدك اليسرى إن كنت أيمنياً، فلا بأس من مسك الشوكة باليد اليسرى، والله تعالى أعلى وأعلم، هي قضية تثار ويتم التشدد بها دون وجه حق.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.