– كن مع الله ولا تبال، لن يحدث في ملك الله إلا ما أراده سبحانه، كل إنسان يأخذ نصيبه، إذا كان الله معنا فمن علينا…
إنّ سوء استخدامنا لهذه العبارات من أسباب النكبات التي حلّت علينا، فنحن نعتقد أنّ الله سيقف معنا لا محالة، وأنّ الله سيحابي مجموعة من الجهلة والراسبين فقط لأنهم ولدوا مُسلمين، سيحابي الله شخصاً لم يقرأ للامتحان ويجعله ينجح، سيحابي الله مزارعاً لم يزرع ويجعل محاصيله يانعة!
إذا كان الله معنا فمن علينا، نعم هذا صحيح، إذا كنا نحن فقط مع الله، الله يخبرنا أن نكون معه بالعقل والعلم والعمل، هل سيغير الله السنن الكونية التي لم يغيرها قط، لأجل مجموعة من الكسالى، كسالى يريدون النصر والسيطرة دون عمل، يريدون الله أن يقاتل عنهم، يرسل حاصباً فيصيب العدو وهم جالسون، يريدون أن ينزل الله عليهم مصنعاً من السماء يصنع جوالات سامسونج وهم نائمون.
لقد فهم الرسول والصحابة هذا الأمر، وكانوا لا يدعون بدعاءٍ قط إلا بعد أن يأخذوا بالأسباب كاملة -وكأن الله غير موجود- فمُسلم وكافر تعرضا للغرق في البحر، سينجو فقط من يعرف السباحة، رُفعت الأقلام وجفّت الصحف، وقد تسأل شخصاً مُتديناً في خضم أزمة طاحنة يجب أن يفكر بها ليخرج منها فيقول لك: أنا مُؤمِن ومتفائل بوجه الله، ولا داعي للخوف!
مع أنّ التفاؤل في وجه الله يكون في أن تقرأ للامتحان وتستعد جيداً، ثم يوفقك الله في تذكّر ما قرأته، التفاؤل في إتقانك لعملك حتى يوفقك الله فيه، التفاؤل أن تبحث عن عمل، ولا تنتظر السماء كي تمطر ذهباً أو فضة.
التفاؤل أن يرحمك الله، أما المرض الذي أرسله لك له جانب آخر، أي مكروه يحدث لك يعوضك الله عنه، لكن هذا لا يعني أن تجلس دون تناول الدواء وتقول أنا متفائل بالله، إنّ الله يطلب منك أن تأخذ الدواء وأن تأخذ بالأسباب كاملة كأنه غير موجود، والأمر نفسه حينما لا تتبنى دولة المُسلمين التخطيط لمستقبلها وتُهزم ويسيطر عليها الغرب والشرق والشمال والجنوب، هذا ليس خيراً وتفاؤلاً، هذا جهل وانحطاط فيها.
أو كما تقوم وزارة الأوقاف بعد أن تتابع الأرصاد وتعلم موعد المطر، فتراها تدعو إلى صلاة الاستسقاء وهذه مصيبة أنهم يخدعون الناس، اطلبوا من وزارة الأوقاف أن تدعو إلى صلاة استسقاء في الصيف في شهر تموز مثلاً؟ واسألوا الله أن يُنزّل المطر، حتماً لن يفعلوها، فلا مطر في الصيف إنه لن ينزل لو دعا كل الناس، والسنن الكونية تسير على الرسل أيضاً وقد كسرها الله في حالات نادرة تسمى المعجزات، ولماذا يا وزارة الأوقاف لا نجعل التواكل سبيلاً لحياتنا؟ لن أقرأ وسأدعو الله وأرجوه النجاح، لن آخذ الدواء وسأطلب من الله أن يشفيني، لن أعمل وسأسأل الله أن يرزقني، فأنتم علمتمونا أنّ التواكل هو الدين.
إنّ ما تدعون إليه هو دعوة لتثبيط الهمم، ونقل تدوير الأمور وصعابها في الألباب والعقول إلى سلطة رجال الدين وخياراتهم؛ حرصاً على المكاسب وعلى ضمان تبعية الأفراد لمؤسساتهم ولحكامهم، تعلموا كيف نحفظ الماء وكيف نقي أنفسنا الجفاف، وأعدوا العدة وخذوا بالأسباب، وصدقوني لن تلزم هذه الدعوات إلا محبة في الله، لكنكم لا تقبلون هذا، ستكونون دمى على الرف، وهذا ما لا تحبونه.
نحمد الله أننا نسينا أن نعلّم أمريكا والدول المتقدمة أنّ صلاة الاستسقاء والدعاء هما الحل لدفع الأعاصير والكوارث، لكنهم لم ينسوا السنة المؤكدة التي تقول أنّ العمل والعلم هما السبيل لنجاة أي أمة، العلم والعمل هما أدوات الله للبشر لكي يواجهوا الأعاصير ونقص الأمطار والجفاف والبراكين والتقلبات المناخية، العقل البشري هو السلاح الذي زوده الله لعباده، فمن يستخدمه يسود، ومن لا يستخدمه يندثر.
لم يكن زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المقومات ما يسمح بتجميع مياه الأمطار وبناء السدود وحفر الآبار العميقة لتجميع المياه، لذا كانت صلاة الاستسقاء العمل المتاح في ذاك الوقت، ولو كان لديه ما لدينا الآن من معرفة وقوة علمية لعله ما رفع يديه إلى السماء مستغيثاً لله المطر، ولو قام بها رسول الله لكانت في باب التوكل والأخذ بالأسباب، وليس جزءاً من عملية تواكل.
إنّ أعتى إعصار (إرما) ضرب قارة كاملة مات فيه أربعة أشخاص فقط، وذلك لأنهم خالفوا التعليمات وليس لغياب الاستعداد الحكومي، أربعة فقط من عشرات الملايين، أذكر أنّ الموقف نفسه حصل في زمن الخديوي، فقد دخل جيشه في معركة في السودان وخسر، فدعا الأئمة للدعاء والتهجد، وأرسل الخديوي جيشه مرة أخرى، فخسر خسارة مُدوية، فعاقبهم، فقال له أحد علماء الأزهر، وماذا يفعل الدعاء وأنت لم تُدرِّب جنودك منذ أعوام، ماذا يفعل الله لأقوام ناموا واعتمدوا الدعاء سبيلاً للنصر ومنع الجفاف والتقدم العلمي!
التوكل
اعلم أنّ الله لا يُحابي أحداً، فإن تزرع تحصد، ولا يمكن أن يجعل الله أرضك تنبت دون أن تجتهد وتزرع، ولو كنت أفضل الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فسنن الله ماضية في كونه، نواميس ثابتة لا تتغير سواء كنت مُسلماً أو غير مُسلم.
إنّ فهمي لهذا الأمر يجعلني أعمل وآخذ بالأسباب وكأن الله لا يُسببها، ولو جعل الله عز وجل أرضاً تنبت لمزارع لم يفلحها لكان الله غير عادل -حاشاه- سبحانه وتعالى، هذا يأخذنا إلى مصطلح شائع تحت عنوان العلم اللدني أي أنّ الله يفتح من أبواب علمه على رجل مسكين يجلس في زاوية ما، فيُمسي هذا الرجل بعلمٍ أكثر من شخصٍ أفنى حياته في السعي والقراءة والعلم والاجتهاد، هذا يتنافى مع العقل ومع عدل الله ومع القوانين التي وضعها في كونه.
أتفهم أنّ ذكاءنا وعلمنا كرمٌ من الله، قد يفتح الله عليك في مسألة ما، ولكن لا يمنحك علماً كاملاً أو قدرة خارقة دون اجتهاد، وقد قال الله لنا: لقد خلقتك وسلاحك العلم، فتعلم وابتكر واصنع المعجزات، والعلم الآن يصنع المعجزات، لا السحر والاتكال، ومن غير المعقول أن يجلس 5 آلاف عالم يجتهدون على مدار 30 عام لاكتشاف دواء لمرض ما، ويأتي شخص نائم في العسل، يضع يده على المريض ودون جهد يشفيه لنا، ماذا يقول العُلماء حينها عن هذا الخالق العظيم.
بل وتجد ملصقات ومقاطع فيديو قصيرة تتحدث عن حل مشكلاتنا من خلال الاستغفار والصلاة على النبي وقيام الليل وتعاهد الصدقة، فإذا كنت فقيراً أو عليك دين أو لا تستطيع الزواج أو لم ترزق بأبناء، فعليك بالصلاة على النبي، لا نعرف أمة غيرنا تصلي على النبي وتستغفر الله وتسبحه، ومع ذلك لا نعرف أمة أكثر منا جهلاً وفقراً، وإذا سألت الشيخ ما نفعل لأننا ما نزال نواجه المشاكل سيرد عليك: يحتاج الأمر إلى قلوب نقية ويقين كامل.
ولعلي أُذكّر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل، أو أنه أعطى للشاب الذي جاء يطلب الصدقة فأساً وحبلاً ليحتطب، وقول عمر بن الخطاب للأعرابي الذي يدعو الله أن يشفي ناقته من الجرب: اجعل مع الدعاء شيئاً من القطران، ونقلت لنا السيرة أنّ النبي صلى الله عليه في عشرات القصص والروايات قد ركز على الأخذ بالأسباب، وعندما نريد حل مشاكل الأمة لا يجب أن نتغافل عن قانون السببية الثابت في هذا الكون.
إنّ الله رب العالمين وليس رب المُسلمين وحدهم، ويعتقد المُسلمون أنّ لهم ميزات خاصة عند الله ليست لغيرهم ويبنون بظنونهم أنّ هذا يستدعي معاملة خاصة وقوانين خاصة، إنّ هذا مُشابه لما قالته الأمم السابقة كقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه فما كانت إجابة الله لهم )فلِمَ يُعذبكم بِذنوبكم(، إننا تناسينا أنّ نجاح الأمم يكون باتباع القوانين، لا بالفهلوة وخفة اليد.
وهنا استحضر تفسير الأحلام، إذ يعتقد المفسر أنّ أي شخص يرى شيئاً أخضراً فهذا يعني خير قادم وأي شيء رمادي يكون شراً مقبلاً، وغيرها من الصور التي يستخدمها المفسرون، في حين أنّ وصف القرآن كان أضغاث أحلام، أما الرؤيا فهي خاصة بالأنبياء، ولو فتحت الكتب أو القنوات أو اليوتيوب ستجد المئات من العاملين في هذا المجال، لأننا أمة تركنا العلم والعمل، وبحثنا في الأحلام والجن، ونتساءل عن الأمور الغيبية كيف نعلم عنها؟ أليس من كتاب الله وسنة نبيه، ولو أتانا شخص وقال أنّ الجن لونه أزرق، وله 5 عيون، ولو قال آخر أنّ الله 2 وليس 1، لن نصدقه ولو أقسم؛ لأن الأمور الغيبية فقط هي ما أخبرنا عنها ربنا، سنسأله كيف عرفت أنّ الجنة لون بابها أزرق!، فإذا قال لقد رأيت بعيني، سنقول له أنت كاذب، فقط سنصدقك إذا جلبت دليلاً من القرآن أو السنة، وأنت عزيزي مفسر الأحلام، ما هو مصدرك أنّ التفاحة الحمراء ترمز إلى خير، والتفاحة الخضراء ترمز إلى الشر؟ أين الحديث، أين الآية؟
لا تخبرني حسب فهمك للآية، لأن هذا تأويلك أنت، وليس رأي الدين القاطع، أعطني قصة اعتمد فيها الرسول على حلم وخاض معركة بناء عليها؟ إنك لن تجد قراراً اتخذه الرسول بناءً على حلم، فكل سيرة الرسول تفكير وعمل وتخطيط، لا شيء فيها للصدفة، حتى معركة بدر، الصحابة أشاروا عليه، وكذلك معركة الخندق وغيرها، كان ينزل عند الحكمة والمشورة، وكأني لم أسمع أنّ الرسول محمد قد نام وحلم برؤية، في حين أننا نحلم كل ليلة برؤيا صادقة.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.