يجري الحديث من حين إلى آخر حول أنّ الدين هو سبب أزمات العالم، وأنه مطيّة الحكام وملح الطغاة وعمود الديكتاتوريين وفتيل الحروب وغيرها من الأوصاف.
حسناً، هذا صحيح إلى حد ما ولكن المُشكِلة لا تكمن في الدين، لأن الدين كالقومية أو العلم أو أي قوة يمكن استخدامه كسلاح، فهل كان الدين هو السبب حينما قتلت روسيا الشيوعية 50 مليون إنسان في الحرب العالمية؟ وهل كان الدين هو الدافع لقتل الملايين من اليهود على أيدي الألمان في الهولوكوست؟ ألم يقتل هؤلاء النازيين الناس دون أي مشاعر بسبب تعصبهم لجنسهم الآري، هل امتطى ستالين الدين أم امتطى أمراً آخر! وهل لو لم يكن للصهيونية مطيّة غير الدين لاحتلال فلسطين لما نجحوا! بالطبع لا، سيجدون أسباباً أخرى يمكنهم استغلالها وهي كثيرة، فالدين والقومية والعرق والتحضر والمال وحتى المبادئ كلها أدوات يمكن استخدامها وامتطاؤها ليس من قبل الحكام فحسب، بل ومن قبل العامة أيضاً، وهنا يجب أن نقارن بين تدمير الأديان للإنسان والحروب التي سببها، مقابل الحروب التي سببها غير الأديان ولننظر في آخر قرن، هُنَاك ما يزيد عن 100 مليون إنسان أُزهقت أرواحهم في حروب ليست دينية [175]، وهذا رقم أكبر بكثير مما سببته الحروب الدينية على مدار التاريخ، حتى في الحروب الدينية في الإسلام، في الغالب كانت حروب عادية وليست دينية وإن تم تسييسها باسم الدين أحياناً، فلم أسمع عن قتل باسم الدين تم بشكل بليد مثلما فعل النازيون ضد اليهود كمان هو موثق، حرق المئات وقتل الآلاف دون أي ذرة مشاعر، بل ترى في الدين عكس ذلك تماماً، ففي كل الحروب الإسلامية هُنَاك توصيات بعدم القتل والحفاظ على الشجر والحجر وغيرها مما هو مذكور ومعروف وموثق أيضاً، هذا ينفي أن يكون الدين (الإسلام) سبب الأزمات، بل من ينزع فتيل الأزمات هو الدين، 100 عام دون دين، أنتجت ما يزيد عن 100 مليون قتيل، أكثر مما سببته حروب الدين بأضعاف مضاعفة، إنّ مطية القومية والعرق وغيرها أسوأ بكثير من مطيّة الدين، لأنها بلا كوابح أو حدود، وهل يُمثل هتلر الألمان؟ هل يمثل ليوبولد الثاني المسيحية؟ حتماً لا بل يمثل سياسة استغلت الدين أو العرق وغيرها.
لا يعني هذا وجود أديان سيئة متداخلة مع القومية والعرق وغيرها، أديان تُعتبَر كل الناس حيوانات على هيئة بشر خلقهم الله لعبادتهم، وأنه من حقهم قتل أي عدد كان من البشر للحصول على أرض يعتقدون أنها من حقهم، وغيرها من الصور السيئة لبعض الأديان المركوبة والمنسوخة من قبل أشخاص مستفيدين.
يقول الدكتور يورغن تودنهوفر هُنَاك 45 دولة مُسلمة، لم تقم بالاعتداء على دول غربية في السنوات الـ 200 الماضية، بل كنا نحن (يقصد الألمان والغرب) من يُهاجم الدول عسكرياً، بل ويعتقد الألمان أنّ أغلب المُسلمين متعصبين في حين أننا نحن الألمان المتعصبين.
إنّ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان لم يسبب حروباً أو قتلاً للبشر بغير وجه حق مثلما فعلت بعض المراجع الدينية، بل قام بحفظ حياة الناس، وتسخير القوى الممكنة من شتى بقاع الأرض للدفاع عن الإنسان مهما كان، هذا الكلام صحيح إلى حد ما، لكن انظر إلى مجلس الأمن المرتبط بالأمم المتحدة فيه 5 دول تتحكم في مصير وقرار 190 دولة حول العالم ومنذ 50 عاماً لم تحدث انتخابات لتجديد الشرعية، وانظر إلى حق الفيتو الأمريكي الدائم الموجه ضد الحق الفلسطيني على الدوام، عشرات المرات واضحة الظلم تقف عائقاً أمام حق الفلسطيني في الحياة على الرغم من رعاية الأمم المتحدة للميثاق العالمي، أعتقد أنّ هذا الميثاق يأتي بعد كتاب الله في حفظ الأرواح إذا قادته دول العالم جمعاء، وألا يكون أداة في أيدي الطغاة كما الدين والقومية وغيرها، هذا الميثاق لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة فهم العالم لقواعد الأديان على مر القرون، وإلا من غير الدين يقول أنّ الجنس الآري هو الجنس الأفريقي نفسه، ولا فرق بينهم، في الميثاق العالمي هُنَاك بند يقول: يُولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهُم قد وُهِبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء، وهذه الجملة مقتبسة حرفياً من الأديان وخصوصاً الإسلام، ولم تأتِ من بنات أفكار شخصٍ ما من القرن العشرين مباشرة، بل يحاول الميثاق العالمي وضح قوانين عامة لكن الدول القوية لم تحترم هذه القوانين، انظر فقط إلى قضية فلسطين والاحتلال الواقع عليها، إنهم لم يبالوا للقوانين، فهي تبقى مُجرَّد قوانين ينظر لها القوي، ولا يراها كأخلاق يجب أن يتنازل لها.
لقد ناقشنا في فصل النظريات أنّ الأفكار والعلوم تتم عبر إيجاد تصور ما أو نظرية مُسبقة ثم البحث عن دلائلها وتأكيد صحتها وليس العكس، ومن هذا المنطلق نجد أنّ هُنَاك من يتعمق في الدين الإسلامي بنية مسبقة أنه دين سيء، فتراه يبحث عن كل ما هو سيء، حديث موضوع، حديث ضعيف، قصة شاذة، خبر لا أصل له، في محاولة لتثبيت نظريته وتغذية ما يتمناه، مع العلم أنه لو آمن بعكسها لوجد أضعاف أضعاف ذلك من الحسن والجمال، كلا الشخصين سيجد ما يريد، من يؤمن بالقبح سيجده وسيراه، ومن يؤمن بالجمال سيجده وسيراه، سيجد من يؤمن أنّ الدين سبب الأزمات ضالته، وسيجد من يؤمن أنّ الدين هو ملاذ الشعوب أدلته أيضاً.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.