من المسائل التي حازت على تركيز المسلمين هي مسألة الأصل، فالنسل في بعض الأحيان كان مهماً، وغالباً ذُكر في قصص العرب والصحابة أكثر مما ورد في سنة الرسول، رغم أّن الدين يقول بوضوح لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوي، والقرآن يؤكد هذا عدة مرات في آيات كثيرة مثل )ولا تزر وازرة وزر أخرى(، لكن ثمة مواضع أخرى في الدين نجد ذكر أنّ العرق هام، وأحداثاً كثيرة في السيرة جاءت احتكاماً للأصل والفصل والقبيلة وما يتعلق بها، ويستخدم البعض ما توصل إله العلم الحديث حول الجينات بأن الأصل جيني ولا فكاك منه، وآخرون ينفون أن يتم توريث الصفات إلى الأبناء.
والحقيقة أنّ الاعتماد على الجينات كان مضللاً بأنها لا دور لها، لأنه حينما ظهر علم فوق الجينات، وضّح أنّ للبيئة والمحيط والثقافة دور كبير في تفعيل جينات معينة أو تعطيلها وتوارث هذه الجينات لعدة أجيال، الحقد والكذب والغش والسرقة والدناءة وغيرها من الصفات يمكن أن تكون معززة لدى بعض البشر أكثر من غيرها بناءً على التربية والثقافة، لكن هذا لا يعني أنها تُورّث كباقي الصفات الجسدية، وكذلك لا يعني هذا أنّ الإنسان مُنساق ومُسيّر، الإنسان هو سيد قراراته وهو سيد نفسه ولو كانت لديه قابلية حتى للسوء، يستطيع أن يتغلب على أي شيء لو قرر ذلك، لكن الحديث يدور حول أنّ للأصل دور أحياناً في تثبيت بعض الصفات والتي قد تتغير بسهولة وفقاً لقرارات الإنسان لاحقاً، والظاهر أنّ التربية والمحيط لهما دور مهم لكنهما غير كافيين للحكم النهائي على الشخص.
ثمّة شواهد نفسية وفلسفية كثيرة تدعم هذا الأمر، أستشهد بمقولة نيتشه أنّ الإنسان المظلوم يبقى في قلبه عنصر الانتقام ولو بعد سنين طويلة، وهذا ما تؤكده كتب تحليل سيكولوجية الإنسان المقهور لكن هذا لا يعني ألا يكون هُنَاك ثورات وحالات مميزة، تخرج من قلب مجتمع سيء وتكون مثالية.
كانت العائلة والقبيلة عند العرب القدماء تستخدم في النزاعات وحلها، لذلك كان للرجوع إليها دورٌ كبيرٌ في الحكم على المسائل، من ناحية العيب والخجل والنخوة والاندفاع، لكن هل القبلية حكراً على المُسلمين! ففي أوروبا على سبيل المثال يقدسون النسب ولم يستطيعوا ترك النسل الملكي، فرغم كل الديمقراطية إلا أنهم لم يتخلصوا من الميل إلى الملك ونسله، الدم الطاهر أو الدم النبيل، فبريطانيا ملكية وبلجيكا وغيرها ما زالت ترى في صورة الملك صورة الإنسان النبيل الذي يشجع الناس على الأصالة وممارستها، وهناك قاعدة إنجليزية تقول: إنّ الرجل الإنجليزي لا يستطيع أن يعيش دون ملك.
وإن وجود الشخص المثالي أو الصورة العظمى مُفيد للبشر ولا شك، على ألا يكون هُنَاك اعتزاز في سلسلة الدم، وكان على المُسلمين التخلص من هذا الأمر، لم يبقَ من نسل الرسول من البنين أو البنات إلا بنت واحدة لأن الله لا يريد توريث الدين ويريده أن يكون للأنسب والأفضل مهما كان أصله، ففاطمة الزهراء مثلها مثل أي شخص لدى رسول الله عند تطبيق الحدود، ولو سرقت لقطع يدها ولا أفضلية لها، بل يقع على عاتقها مسؤوليات أخلاقية أكثر من غيرها.