الحجاب

الحجاب

من القضايا التي تُثار من حين إلى آخر قضية الحجاب، وأكثر ما يشاع هو أنّ الحجاب عادة مجتمعية كان يمارسها العرب في قديم الزمان وجاء الإسلام ولم ينهَ عنها ولكنه لم يلفظها، وظلت هذه العادة حتى أُلصقت بالإسلام وهي ليست من الدين وليست من القرآن.

ولننظر إلى الموضوع من جانب آخر، والسؤال هنا يقول: ما هي أقصى حدود اتباع العادات المجتمعية في لبس المرأة، وما هي حدود الكشف عن الجسد حسب العادات القائمة؟ تقولون أنّ الحجاب عادة عربية وتغطيته ليست إلا عادة، وفي أوروبا يحق للمرأة أن تخلع الحجاب لأنه ليس عادة، ولكن ماذا عن أمريكا مثلاً وكشف الرقبة هُنَاك في ميامي وهي عادة الناس، هل للمُسلمة أن تكشف رقبتها هُنَاك؟ وماذا عن كشف الساقين في مناطق أخرى، هل تتبع المرأة المُسلمة تلك العادة هُنَاك أم تغطي ساقيها، وماذا عن كشف الصدر في بعض دول أفريقيا، هل تغطي المرأة صدرها أم تسير حسب عادات المجتمع هُنَاك؟ أعطني الحد النهائي للتماشي مع عادات المجتمع، ولعلنا نذكر أنّ ملكة سبأ كشفت عن ساقيها، هذا يعني أنهما مغطيتان في الوضع الطبيعي، وهذه إشارة إلى أنّ الملوك أكثر الناس اهتماماً بمظاهر العظمة والإغراء والرفاهية كانوا محتشمين إذا كانوا على الصواب.

وهُنَاك من يُطالب ألا نصنف الشعر من الأمور المُثيرة، وأنه يجب علينا ألا نجعله عنصراً جاذباً، لكن مهلاً، ولمَ لا يكون جاذباً مُثيراً للشهوة، لماذا نخسره من المجموع العام، هُنَاك الصوت والنعومة والجسم والطول والصدر والرشاقة والشعر، لماذا نخسر الشعر منهم، أليس من الأفضل أن نكسبه ونجعله من ضمن الشهوات ويثور الرجل حينما يرى زوجته في المنزل بشعرها الجميل ورقبتها الطويلة! لماذا نخسر هذه النقطة، ما نسبة الرقبة والرأس من الجسم والمفاتن 5%؟ لماذا لا نكسبها وتكون عاملاً حفازاً، وأنت ترى في الغرب حينما نزعنا الرأس والرقبة والكتف والساقين واليدين والصرة ونصف الصدر وأبقينا ربع الثدي مع العانة أمسى الرجال يبحثون عن شهوات مُثيرة جديدة، الشُذُوذ الجنسي وجنس الأقارب وجنس الحيوانات وشهوة النعال وشهوة الشجر، ولعلك تنظر إلى أنواع الشُذُوذ التي حصلت لترى قائمة غريبة، شُذُوذ الضراط واشتهاء المرضى واشتهاء ذوي الإعاقة وشُذُوذ الموتى وشُذُوذ اشتهاء المبتورين، تخيل شخص يستثار حينما يرى شخصاً آخر مُقعد مبتور الساقين!، سادية الحيوانات، الولع بالبول، الشهوة لشعر الإبط، الجنون بالأطفال، ولع الجنس مع الآلات مثل السيارات، لا أريد الإكمال، أليس من الأفضل كسب شهوة الشعر والرقبة بدلاً من كسبها لشعر الإبط ولنتانته!

ولكن مهلاً، أنت هكذا تدعو أن يقوم الناس بتغليف المرأة بالكامل حتى تحدث شهوة لكل شيء، وهنا أقول إنّ هذه مُغالَطة منطقية وليس الأمر كذلك بالضرورة.

وفي سورة النور يقول الله تعالى )وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ(، أي أنّ النساء الكبار في السن، اللاتي هرمن وفقدن جمالهن المغري بسبب التقدم في السن، لا حرج عليهن أن يخففن من آليات الحجاب الخاصة بالصبايا، وهذا يعني أنّ الله يعطي رخصة لهن في التخفيف من الحجاب وباقي اللباس، والسؤال الذكي هنا يقول، هل يعطي الله رخصة في فريضة أم في نافلة؟ حتماً في فريضة، لأن النافلة لا رخصة فيها، قلت لصديقك يمكنك أن تزورني غداً، أي أنه إذا لم يزرك فلا مُشكِلة، ولكن إذا قلت له يجب أن تزورني غداً، وإذا تعذر فأرجو الاتصال بي، تصبح رخصة الاتصال هنا نابعة من ضرورة الزيارة وليس اختياريتها.

هُنَاك الكثير من الأحاديث والأدلة التي تُثبِت أنّ المرأة كانت تخرج سافرة الوجه وتحظى بحريتها دون صور الإغراء الموجودة في المجتمعات الأخرى، وهذا دليل قاطع على أنّ الوجه ليس بعورة وأنه أمر تقليدي، فلماذا التضييق على المرأة بفكرة النقاب، وعلى ما يبدو أنه جرى لاحقاً محاولات لتغيير هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي، ولأضرب مثالاً لتقريب الفكرة، يستخدم الجميع الآن الشبكات الاجتماعية، قد يأتي بعد 200 عام سؤال يقول: هل كان محرم على الفتيات العربيات أن يضعن صورهن عبر الشبكات الاجتماعية أو أن يستخدمنها من الأساس كالشباب؟ وسيكون الجواب في بعض الأحيان نعم محرم، وستكون هُنَاك أدلة مثلاً، الأب الفلاني منع بناته من استخدام الشبكات الاجتماعية، وكانت الفتيات لا يضعن صورهن على الإنترنت، وانتشرت قصص لحالات طلاق كثيرة لأن الزوج اكتشف أنّ زوجته تكلم شخصاً ما عبر الإنترنت، وسيتم استخدام هذه الحالات الغريبة للتأكيد على فكرة منع الفتيات من استخدام الشبكات الاجتماعية في زماننا هذا في المجتمع العربي الإسلامي، وسيكون لكل فريق أدلته، منهم من يقول أنه مسموح لوجود أدلة على استخدام فتيات الشبكات الاجتماعية، ومنهم من سيكون له أدلة عكس ذلك وتقول كان ممنوعاً لوجود قصص منع، والمنطق من القصة هذه يقول أنّ الاستخدام كان مسموحاً ولكن توجد حالات فردية غريبة، الأمر حالياً أصعب من الماضي في منعه وإخفائه لكن المثال للتقريب.

على ما يبدو أنّ هذا ما حصل على مر التاريخ مع قصص دينية كثيرة، منها قصة النقاب، هل كان إجبارياً أم اختيارياً، وهل كانت النساء يلبسنه في العادة أم لا، هل كان السائد النقاب، أم عدم النقاب، وكل الأدلة تشير إلى أنه ما دام وجود قصص كثيرة على خروج النساء من دونه في المحادثات العادية واليومية، فهذا يعني أنه هو الأساس، وحكم النقاب حكم خاص بنساء النبي، ومن يتبعه يتبع سنة خاصة لا أكثر.

أما النقاب فهو ليس فرضاً ولا سُنَّة وأرى أنّ الأدلة على جواز سفور الوجه أرجح وأقوى من الأخرى التي تقول بتغطيته، وهي بالمئات كما جمع الشيخ محمد الغزالي الكثير منها في كتابه السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، لكن من اختارت أن تُغَطِّيَ وجهها فهي وما اختارت لا أعترضها فلديها أدلتها التي أرى أنها ضعيفة [183]، ويحق لها أن تغطي وجهها دون أن يراجعها من يرى أنه يحق للمرأة أن تخفي جزء من صدرها فقط، فهو من الحُريّة الشخصية.

والحجاب شأنه شأن أي فريضة في الدين، فلا يجوز لك أن تطلق على من لا يقوم الليل أنه غير مُسلم أو فاسق، نعم قيام الليل فيه خلاف بين العُلماء هل هو فرض أم سنة مؤكدة، لا أحد ينعت من لا يقوم الليل بالفسق، ولا أحد يفكر في رش حمض نيتريك في وجه من لا يخرج الزكاة مُؤمِناً بوجوب حرق وجهه حتى يتعلم ويُؤَدِي هذا الواجب، إنّ مرد تارك الفريضة عند الله، بل ومرد تارك الدين كله عند الله، فلماذا نضيق واسعاً ونشتم وننظر بنظرة غير صحيحة وقد جعل الله الحساب بين يديه سبحانه وتعالى.

والذي يحمي الفتاة هي التربية الحسنة التي تبين ما لها وما عليها وتملؤها ثقة بنفسها، أما التشدد فهو يصنع الخوف، الذي يختفي حين اختفاء الأهل، وفي الحوار الذي سجله القرآن بين سيدنا موسى وابنتي الرجل الصالح شيخ مَدْيَن تأكيد لهذا فيقول القرآن )ولما وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجدَ عَلَيْهِ أُمَّةً من الناسِ يسقون وَوَجَدَ من دُونِهِمُ امرأتينِ تَذُودانِ، قال: ما خَطْبُكُما.. قالتا: لا نسقي حتى يُصدِرَ الرِّعاءُ.. وأبونا شيخٌ كبيرٌ.. فسقى لهما(

ولما أخبرت الفتاتان أباهما خبر موسى معهما، أرسل إليه إحداهما تدعوه للقائه وفي اللقاء جرى حوار بين موسى والرجل تدخلت فيه إحدى الفتاتين دون حرج: )قَالَتْ إحداهُما: يا أبتِ استأجِرْهُ.. إن خيرَ مَنِ استأجرتَ القويُّ الأمينُ(.

تربية الفتاة على الثقة بالنفس، ومعرفة ما لها وما عليها، وعلى الاعتداد بقيمة الحُريّة الشخصية، هذه أسس البناء المستقيم للأسرة وليس التشدد وروح الحراسة والوصاية! وإنّ دعاة التضييق على الفتاة بحجة الحفاظ عليها مدعوون لدراسة التجربة الأسرية التي عرضها القرآن في شيخ مدين وابنتاه [183].

أتفهّم أن يحاول الأهل شرح فكرة الحجاب للأبناء قبل فرضها عليهم، مع ضرورة عدم إيصال فكرة فرض الحجاب بأي حال من الأحوال، لأنها أمر ديني ولا ضرر جسدي مباشر سيعود على الفتاة الصغيرة كخروجها في منتصف الليل إلى منطقة بعيدة، وفكرة أن نربط أنّ الطفل لا يفقه لذلك يجب أن نغصبه لمصلحته مثل إدخاله المدرسة مرغماً، أو الدراسة في وقت الامتحانات مرغماً، أو الإجبار على غسل الأسنان وتسريح الشعر، أو أن تشرب الدواء، لأنها أمور دنيوية وليست دينية، فلا يجب أن نغصب الأبناء على العبادات وصولاً للقطيعة التامة بيننا وبينهم.


اترك تعليقاً