كما هو ملاحظ، فالحديث عن الذرات يأخذنا حتماً إلى الحديث عن النجوم، فالكون ذو إطار مرجعي واحد ومُنبثقٌ من مادة واحدة، ومن المُفترض أن تكون القوانين واحدة، إلا أنه كما رأينا لم يستطع العُلماء بعد توحيد النظرية الكمومية والنسبية في نظرية واحدة، لكن هذا لا يعني ألا نحاول أن نفهم الكون بما لدينا من قوانين، ولقد اعتقد الإغريق أنّ المادة مكونة من أجسام متناهية في الصغر لا يمكن قسمها أكثر أطلقوا عليها تسمية الذرات، إلى أن وصلنا في القرن العشرين ونجح العُلماء بتفتيت الذرة واكتشفوا أنّ الذرة التي نعرفها ليست هي الذرة المقصودة كونها أصغر شيء في الوجود لا يمكن تجزئته، بل هُنَاك ذرة أصغر يجب البحث عنها، فالذرة المعروفة تحتوي على عناصر أصغر مثل البروتونات والنيترونات والإلكترونات، ثم في عام 1968م في المعجّل أو المسرع الخطي في ستانفورد اكتشف العُلماء أنّ هذه الجسيمات بدورها تتكون من جزيئات أصغر تسمى الكواركات Quarks، وأثناء محاولات العُلماء فهم الانفجار العظيم عبر دفع الذرات والجسيمات في مسارع الجسيمات إلى صدم بعضها البعض والبحث من خلال الشظايا الناتجة، اكتُشِف أنّ هُنَاك عدة أنواع من الكوراكات، واكتشف جسيم التاو والميزون والنيوترينو والميون.

والميزون -على سبيل المثال- جُسيم يشبه الإلكترون إلا أنه أثقل بـ200 مرة منه، كما اكتشف العُلماء أنّ لهذه الجُسيمات جُسيمات مضادة، وإذا تلاقى كل من الجُسيم مع جُسيمه المضاد فسيختفيان من الوجود وستنتج طاقة جراء هذا الاتحاد [4]، فالإلكترون له جُسيم مضاد مشابه له في الكتلة اسمه البوزيترون، لكن شحنته موجبة بعكس الإلكترون ذو الشحنة السالبة، والجُسيمات المضادة (المادة المضادة) بالإضافة إلى الطاقة المظلمة يسعى العُلماء إلى فهم لغزها الغامض في هذه الأيام لحل لغز الكون، إلا أنّ دراستها تنبع فيها الكثير من العقبات لأنها تختلف عن المادة التي نعرفها.

نتيجةً لأبحاث العُلماء المُتزايدة، وجد العُلماء ما يزيد عن 100 جُسيم مُختلف الشكل والكتلة والشحنة، وقاموا بتصنيفها في عائلات لتسهيل دراستها، وهذا ما أضاف المزيد من الأسئلة بدلاً من أن يقلّصها، كانت لدينا عشرات الأسئلة ونحن نعرف البروتون والنيوترون والإلكترون فقط، ولكن الآن، بعشرات الجسيمات سيكون لدينا مئات الأسئلة، لماذا كل هذا العدد من الجسيمات؟ وما فائدتها الحقيقية في تشكيل الكون؟ وأين دورها؟ ولماذا توجد 3 عائلات منها وليست 4 عائلات؟ ولماذا تختلف في كتلتها وشحنتها؟ ولماذا يزن جسيم التاو 3520 مرة وزن الإلكترون؟ وغيرها من الأسئلة المحيرة التي جعلت بعض العُلماء يفكرون جدياً بإراحة ضميرهم والاعتراف بأن هذا خَلقٌ إلهي، ودعونا نبحث في شيء آخر.

مهما تنوعت عمليات هذا العالم، من حركة سيارات أو تفاعلات حيوية أو نبضات حاسوبية إلا أنها تبقى محصورة في أربع قوى أساسية حددها العُلماء هي: القوى المغناطيسية، القوى النووية الضعيفة، القوى النووية القوية، والجاذبية، والجاذبية هي أضعفها، أما القوى النووية القوية هي المسؤولة عن ترابط الجُسيمات داخل الذرات، وهي ذات تأثير هائل في المسافات تحت الذرية، وتُعَد أقوى أنواع القوى، والقوى النووية الضعيفة مسؤولة عن الانشطار النووي والاضمحلال الإشعاعي للعناصر.

يتساءل العُلماء، لماذا توجد أربع قوى أساسية وليست أكثر أو أقل؟ ولماذا تتباين خواص هذه القوى بهذا الوضوح؟ ولماذا تُعتبَر قوة الجاذبية ضعيفة وغيرها أقوى؟ ولماذا لا تؤثر الجاذبية في المستوى الذري بعكس القوى النووية القوية؟ ولماذا لا تطغى قوة على أخرى؟ فلو كان في يدك اليمنى إلكترون وفي يدك اليسرى إلكترون آخر وحاولت الجمع بينهما، فستعمل قوى الجاذبية على ذلك بينما سيقوم التنافر الكهرومغناطيسي بمحاولة إبعادهما عن بعضهما البعض، ولكن، من الأقوى بين هاتين القوتين؟ إنّ قوى التنافر الكهرومغناطيسية أقوى بمليون مليار مليار مليار مليار مرة أي 10^42 مرة من قوى الجاذبية، ولو كانت قوة الجاذبية هي المسافة بين كف اليد إلى كوع اليد، فلا بدّ للقوى الكهرومغناطيسية أن تتسع مسافتها لتملأ الكون ولن تكفيها، هذا للتقريب بين الرقمين؛ لنرَ ضخامة الفرق بين القوتين، وإنّ أغلب الأشياء ذات القوى المغناطيسية موجودة في الكون بشكل متعادل كهربائياً.

القوى النووية أقوى من القوى الكهرومغناطيسية بمئة مرة، وهي أقوى من القوى الضعيفة بمئة ألف مرة، إنّ وجود هذه القوى بهذا الشكل الدقيق يسمح للذرات بأن تُوجد بشكل ثابت؛ فعناصر الجدول الدوري ثابتة ومستقرة بسبب هذه الفروقات في الأرقام، فلو زادت كتلة الإلكترونات عدة مرات فلن تكون هُنَاك احتمالية لتكوّن الذرات المكونة للنجوم، وهذا ما دفع العُلماء للمزيد من الجنون، لماذا وكيف ومتى، ولماذا قوانين الكون بهذا الشكل، وليست بشكل آخر!


اترك تعليقاً