ومن المُفترض أن تكون النظريات والقوانين على المستوى الحيوي أفضل من نظيرتها على المستوى الكمي والكوني، إذ يجب توفر قوانين ثابتة وواضحة على الأقل، إلا أننا سنرى أنه مستوى مليءٌ بفجوات كبيرة لم يُغطِها العلم، هذه الفجوات تجعل العُلماء حائرين كما لو أنهم في ميكانيكا الكم الحيوية، سيركز هذا الفصل عن الحديث عن نظرية التطور بشكل واسع، ومحاولة تفسيرها وفهم آلياتها وكيف نشأت الحياة من لا شيء أو كيف نشأت الحياة من الحياة.

وإذا أردنا الحديث عن المواضيع المتعلقة بالخلق والتطور بدقةٍ واضحةٍ وفهمٍ كافٍ لاستيعاب كل الأفكار، فإنه يجب النزول إلى المكون الأساسي لكل الكائنات الحية ألا وهو الخلية، وحينما نذكر الخلية يتوجب الإشارة إلى طريقة عملها ومحتوياتها وتفاعلاتها الكيميائية وموضوعات الوراثة والجينات، فدون فهم هذه المواضيع، لن يمكن رؤية إلا جزء صغير جداً من الصورة الكبيرة، ولعلي في هذا الفصل أتكلم عن الخلية الحيوية وجزء صغير من علم الخلية Cell Biology، ثم علم الأحياء الجزيئي Molecular Biology، انتهاءً بمواضيع في علم الجينات Genetics، وإذا كنت مختصاً يمكنك تجاوز هذه المواضيع والانتقال لما بعدها مباشرة، لكني أدعوك للمرور عليها وتذكر جزء من ذكريات الدراسة الجميلة.

ثَمّة مُشكِلة حقيقية في فهم أو تخيل أي موضوع يتعلق بالكائنات الحية دون فهم مواضيع الخلية، فحينما يتحدث شخص تخصصه مثلاً علم اجتماع، يخبرك أنه يمكن للمادة الحية أنّ تأتي من المادة غير الحية! ويضرب مثال ظهور الدود في اللبن، مستشهداً بذلك فكرة أنّ الحياة تنتج من اللاحياة، وهذا ما كان مُختلف عليه في زمن لويس باستير (التوالد التلقائي) وانتهى قبل 200 عام، فأنت تعلم حجم الأزمة الموجودة لديه والفرق العلمي الكبير، فكيف لشخص لا يعرف أنّ التوالد التلقائي انتهى أمره علمياً في يومنا هذا ويفكر أن يفهم شيئاً عن التطور، أي شخص يعرف عن علم الخلية والانقسام الخلوي والزايجوت وتعقيد الخلية، يفهم أنّ الحياة يصعب أن تأتي من لا حياة، لذلك إذا كنت غير مختص فأرجو منك الاهتمام بهذا الفصل، سأحاول تبسيطه قدر المستطاع، إذ يحتوي هذا الفصل أيضاً على مصطلحات ومبادئ لازمة لاحقاً لفهم التطور، فأرجو تجرعه بالكامل.

لا يمنحنا الدين إجابات كاملة، كيف تشكلت الأرض، كيف كان شكلها قبل مليون سنة أو مليونين، هل نزل الإنسان على الأرض وكانت هُنَاك الحيوانات، أم نزلت الحيوانات بالتدريج ومن ثم نزل الإنسان، ليس من واجبات الدين تقديم الإجابات كما يقدم نفسه، بل هي من واجبات العلم، وعلى العلم أن يكون علماً وليس خيالاً علمياً أو روايةً ترقيعيةً.


اترك تعليقاً