الإله

الإله

صورة 21 عمل فني للفنان ديجان جوفانوفيك على غرار لوحة مايكل أنجلو خلق آدم وفيلم Prometheus (2012) الذي يحاول عبر قصته الخيالية أن يجيب عن الأسئلة التي لا إجابات لها: من نحن، وكيف ولماذا أتينا، بطريقة خيالية تداعب طموحات العقل الجامح الجائع للمعرفة، وذلك باعتماده على الميثولوجيا الإغريقية إذ طلب كبير الآلهة زيوس من بروميثيوس وأخيه إبيمثيوس تشكيل الحيوانات والبشر، فأنهى إبيمثيوس تشكيل الحيوانات بسرعة مستهلكاً بذلك جميع الموارد كالسرعة والرؤية الخارقة ووسائل التدفئة وأسلحة للدفاع كالقرون والأنياب، وبهذا لم يُبقِ شيئاً للإنسان الذي استغرق بروميثيوس الكثير من الوقت لإتقان تشكيله،

طلب بروميثيوس من زيوس مساعدته في تحسين البشر إلا أنّ زيوس كان يريد للبشر أن يكونوا ضعفاء خائفين حتى لا يمتلكوا القوة التي تمكنهم من تحديه، فسرق بروميثيوس من آلهة الأوليمب العديد من العطايا ومنحها للبشر مثل فنون العمارة والبناء، النجارة، علم الفلك والطب، الأرقام والحروف، كما علمهم استئناس حيوانات إبيمثيوس وركوبها

وقام بروميثيوس بما هو أكثر شجاعة، إذ قام بسرقة النار وأعطى قبس منها للبشر لأنه حزن لرؤية البشر في البرد، فعاقبه زيوس بتقيده على صخرة في جبال ليأتيه نسر عملاق كل صباح ينهش كبده، الذي يعود لينمو من جديد في المساء ويستمر عقاب بروميثيوس الأبدي، ومن هنا كانت النار رمز الحضارة والتفكير والصناعة والابتكار، هي التحدي والإدارة والفن والعنفوان.

وفي رحلة البحث عن الإله لربما السؤال الأول الذي نوجهه جميعاً يكون بصيغة: حسناً، ما دام هذا الرب العظيم الذي يُصور نفسه أنه قوي وقادر على كل شيء موجود، لماذا لا يرينا نفسه ويقطع علينا قضية الشك بوجوده؟ وبذلك تصبح واضحة مواضيع الإيمان والكفر وغيرها، نطوي الصفحة وحينها من يكفر يكفر بحقه ويستحق كل العقاب، أليس هذا أفضل من أن يرسل هذا الإله وحياً على رجلٍ في كهف في الصحراء لا يعرفه أحد يتكلم باللُغة العربية ولا يتكلم بباقي لغات العالم، ليقول له: أنت مُرسلٌ مني لتبلغ العالم، ومن لم يؤمن بك، سيحلُّ عليه غضبي!

كانت الديانة المسيحية قد حسمت هذا الأمر وقالت أنّ الله تجلى لهم بشراً كاملاً وليس مُجرَّد هيئة في الابن عيسى، وبهذا انتهت مشكلتهم هذه في رؤية الله، ولكنها مهدت الطريق أمام مشكلات كثيرة، كيف يأكل هذا الإله وكيف ينام وكيف يتبول وكيف يتعب وكيف يتزوج وكيف يشتهي، ووجود إله يتبول أمر لا يمكن تقبله أو حتى التفكير فيه، وكيف للإله أن يبكي وينام ويموت، ولماذا يقضي على نفسه في سبيل خطايا البشرية، ألا يوجد حلول أخرى لدى هذا الإله، ألا توجد طرق أخرى ليتجلى الله للناس بصورة أعظم، في كل الأحوال هذا سؤال منطقي وجميل ولا تعجبني إجابته بأن الله ذات تختلف عنا ومن ثم لن نستطيع رؤيته، وأنه لو تجلى لنا لتجسد وهذا لا يليق بذاته، وعدم منطقية هذه الإجابة تكمن في عظمة الله كما يصورها لنا، فما دام الله يدّعي أنه خالقٌ عظيم، فهذا يعني أنه يستطيع أن يخلق شيئاً وسيطاً، أو يعطينا قدرة ما على رؤية تجلياته، أو يجعل السماء تتكلم، أو يُنزل كتاباً ضخماً كل ليلة نرى فيها أنه موجود، ولكن ألا يكفي هذا الكون العظيم وهذا الإنسان المُدهش في بنائه كما استعرضنا وهذا العقل لنقول إنها من تجليات الله، حسناً هي كذلك ولكنها بحاجة إلى جهد في البحث، نريد شيئاً أسهل من كل هذه الاختبارات.

فيرد الأستاذ قائلاً: هل تريد النجاح بكتاب مفتوح؟ ما رأيك أن نعطيك أسئلة الامتحان أيضاً مجابة، وكل ما عليك هو أن تكتب اسمك وتنجح؟ ألا يجب عليك أن تشغّل عقلك وتتعب هذا العام لتحصد في نهايته نتيجة تعبك! فيجيب الطالب: لا أقصد هذا، أقصد أن يكون الأمر أسهل من ذلك، هُنَاك مئات الأديان وهُنَاك مئات المذاهب في كل دين، ولا أستطيع أن أراجعها، وأنا مرتبطٌ منذ ولادتي بثقافتي، وعقلي منذ البداية ناقص، وغيرها من العقبات، وأخاف من الرسوب، ومن يرسب لديك لن ترحمه، وأنا مالي ومال كل هذا الجهد، لم أطلبه ولم يستشرني أحد.

يرد الأستاذ قائلاً: يا عزيزي أنا أستاذ كريم، أطلب منك أن تدرس وتذاكر وتبحث، وتحاول أن تصل إلى الحقيقة وأنا أشاهدك وأراك، وأتابع تعبك ومجهودك وبحثك حتى لو لم تجب في الامتحان بالشكل المطلوب، سوف أجعلك تنجح، لأني رأيتك حاولت ولم تقصر، لكن حاذر أن تضرب زملاءك واحرص أن تكون معهم خلوقاً مهذباً، لأنك لو ضربتهم فسأعاقبك، فحقوقهم مهمة جداً، ولله المثل الأعلى، ولو أعطيتك الامتحان مجاب، لانتهى مغزى الإيمان والجد والاجتهاد، ولما كان لأي شيء معنى.

وإذا استمررنا بهذا التفكير عبر إسقاطنا السببية على الخالق، وإجراء قوانين الخالق على المخلوقات، حينها سنطلب من الخالق ألا يرسل نبياً بل عليه أن يَنزِل لنا على شكل إنسان، وإذا أراد الإله أن يساعد إنسان ما في مدينة بعيدة فعليه أن يستقل حافلة لأن المسافة بعيدة، أو يستعمل الأشعة تحت الحمراء ليعرف ما في الغرف المغلقة، ويجب على الإله أن يسير بأسبابنا، وهكذا دواليك حتى يفقد الإله قدرته ومزاياه ويصبح عليه أن يشرب ويتبول مثلنا.

صورة 22 لوحة العشاء الأخير للفنان الإيطالي ليوناردو دافينشي عام 1498م يظهر فيها المسيح مع تلاميذه الاثني عشر كما في إنجيل يوحنا، ومعهم السيدة مريم المجدلية.


اترك تعليقاً