تروي امرأةٌ أوروبية قصة تحولها إلى الإسلام فتقول إنها في بداية تعرفها على الإسلام بدأت بقراءة مجموعة من الكتب مثل القرآن والترمذي والبخاري ومُسلم وغيرها، وتقول إنها شعرت بارتباك حينما نظرت إلى الكتب الماثلة أمامها وشعرت بعدم القدرة على التركيز في هذا القدر الكبير من المعلومات، استمعت إلى مهتدين آخرين إلى الإسلام فكان حديثهم يمزج بين المبادئ الأساسية التي لا يقوم الدين إلا بها وبين تقاليد مجتمعات المُسلمين الشرقيين، ويظن هؤلاء المُسلمون الجدد أنه لا فرق بين المبادئ الأساسية التي يصبح المرء بها مُؤمِناً وبين النسخة الثقافية السائدة عند العرب والمُسلمين وهي ما يمكن تسميتها بالنسخة السلفية من التدين.
لماذا على المُسلمين أن يُغرقوا من يبزُغ في قلبه نور الإيمان بكل هذا الطوفان من الشروح والتفسيرات والفروع؟ وهل نحسن صنعاً مع المُؤمِنين الجُدد حين ندفعهم باتجاه أن يتبنوا أفهامنا وثقافتنا؟ هل تمتلك ثقافتنا الأفضلية لنحرص على عولمتها، أم أنه من الحكمة أن نفرح بتفاعل القرآن مع ثقافات جديدة فينتج صيغاً أكثر فاعليةً ومرونةً من التدين تستطيع أن تتسرب إلى الأمم وتخاطبهم بلغتهم [177].
يعد أستاذ الرياضيات الأمريكي جيفري لانغ مثالاً متميزاً للمهتدين من العالم إلى الإسلام، فقد نشأ في بيئة كاثوليكية ثم صار ملحداً ثم كانت له رحلته الخاصة مع القرآن والتي قادته إلى الإيمان، لقد دخل جيفري لانغ بخلاف آخرين من المهتدين إلى الإسلام، إلى القرآن من بوابة ثقافته الأمريكية، لم يقرأ التفسيرات التقليدية إنما حاور القرآن بنفسه واستمع إلى إجابات القرآن، فذُهل من حيوية هذا الكتاب وقال كلمته الشهيرة: “لقد شعرت أنّ مؤلف هذا الكتاب يقرأ أفكاري ويعد إجاباتٍ مسبقةً على كل سؤال يخطر ببالي”، وقد انتبه جيفري لانغ إلى ضرورة التفريق بين الإسلام وثقافة المُسلمين، وضرب مثالاً على ذلك من رحلته إلى مكة، فالفصل بين الرجال والنساء هو قضية ثقافية عربية، وليس مبدأً أساسياً في القرآن، ويدلل على قصص من السيرة النبوية تظهر مخالطة الرجال والنساء، ويجيب جيفري لانغ على سؤال لماذا علينا التفريق بين المبادئ الأساسية في الدين وبين ثقافة المُسلمين، وحين نخلط بين الأمرين فإننا نمنع كثيرين من الاهتداء إلى الإسلام ونُلزِمهم بقيود لم يلزمهم القرآن ذاته بها.
إنّ سر الإسلام الأول والأهم يكمن في بساطة تعاليمه ووضوحها مما ترك الأثر الأكبر في جذب القلوب نحوه، إذ كل الذي يُطلب من الذي يدخل فيه هو نطق الشهادتين، وإنّ هذه العقيدة البسيطة لا تتطلب تجربة كبيرة للإيمان، ولا تثير في العادة مصاعب عقلية خاصة، وإنها لتدخل في نطاق أقل درجات الفهم والفطنة، ولما كانت خالية من المخارج والحيل النظرية اللاهوتية، كان من الممكن أن يشرحها أي فرد، حتى أقل الناس خبرة بالعبارات الدينية النظرية، ولهذا انتشر الإسلام في العالم.
الإسلام في جوهره دينٌ عقليٌ بأوسع معاني الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية، ويعرّف الأسلوب العقلي بأنه طريقة تقييم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق، ينطبق عليه تمام الانطباق، تتلخص العقيدة الإسلامية من وجهة نظر المُؤمِنين في الاعتقاد بوحدانية الله ورسالة نبيه أو من وجهة نظرنا نحن الذين نحلل العقائد تحليلاً لا روح فيه فنعتقد في الله وفي الدار الآخرة.
وهذان المبدآن هما أقل ما ينبغي للاعتقاد الديني، وهما أمران يستقران في نفس الشخص المتدين على أساس ثابت من العقل والمنطق ويلخصان كل تعاليم الدين الذي جاء بها القرآن، وإنّ بساطة التعاليم ووضوحها لهو على وجه التحقيق من أبرز القوى الفاعلة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى الإسلام.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.