الأديان

صورة 30 عدد من الرموز الدينية، من اليمين إلى اليسار

الأوم رمز الهندوسية، نجمة داود رمز اليهودية، الصليب رمز المسيحية.

التورية رمز الشنتو، عجلة دارما رمز البوذية، الهلال والنجمة رمز الإسلام.

أهيمسا رمز الجاينية، النجمة التساعية رمز البهائية، خامدا رمز السيخية.

ينتشر حول العالم عشرات الآلاف من الديانات المُختلفة التي تحاول خلق نظام متكامل في حياة البشر، والتي تعمل على تنظيم علاقة الإنسان بمن حوله ومع الطبيعة والأهم مع نفسه، وتشترك هذه الديانات في اعتقادها بوجود كائنات فوق طبيعية ذات قدرة خارقة، بعض هذه الديانات تؤمن بوجود قوة خارقة منفردة، وبعضها تؤمن بوجود قوتين متصارعتين، وبعضها تؤمن بوجود آلهة مُختلفة كثيرة.

كل دين منها يُحاول أن يُوجد طقوس روحية تعبدية للتقرب من هذا الكائن العظيم مع إضفاء نكهة قداسة على هذه العبادات في سبيل تقديس الكائن الأسمى، وتشترك جميع الأديان بوجود قانون أخلاقي أو شريعة وأحكام يجب على معتنقي الدين اتباعها والإيمان بها لأنها آتية من الإله العظيم، وتحاول الأديان دائماً أن تقدم خطوات لكل إنسان حتى يسمو بروحه في هذا العالم، في السابق كانت الدول صغيرة ذات قوانين بسيطة، والدين كان يكمل الجوانب التشريعية والأخلاقية لهذه القوانين، وكانت الأديان بحاجة إلى آلية لتحكم الناس وترهبهم من فعل الشر وتشجعهم على فعل الخير، لذلك احتوت على فكرة الثواب والعقاب في الحياة وبعد الموت.

لكل دين عقيدة ومجموعة من العناصر الأساسية مثل اسم الديانة، مؤسسها، كتابها الديني، اللُغة الأساسية، نوع المعبد والطقوس وأعياد وأماكن مقدسة وسُلُوكيات وأخلاقيات وتشريعات واجتماعيات وغيرها، هناك أديان كثيرة معروفة بمؤسسيها كالمسيح في المسيحية وبوذا في البوذية ومحمد في الإسلام، وهذا أمرٌ شائع في الأديان السماوية التي مفترض أنها منزلة من عند الله، ومن عالم غير عالمنا، لكن هُنَاك أديان أخرى غير سماوية مثل الشنتوية والهندوسية ليس لها مؤسس معروف كبعض المعتقدات الشعبية والتي لا يُعرف لها مؤسس على الإطلاق.

تعد الهندوسية أقدم ديانة في العالم، إذ يرجع تاريخها إلى نحو سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتليها الديانة اليهودية، ثم الزرادشتية في بلاد فارس، وجاءت ديانات الشنتو واليانية والبوذية والطاوية والكونفوشيوسية في وقت متقارب منذ 500-700 عاماً قبل الميلاد، ثم تبعها المسيحية، فالإسلام بعد 600 عام، وسينصب حديثنا في هذا الفصل على التحديث الأخير للأديان السماوية الإسلام، وهو الإصدار الأحدث الذي يحتوي على كل الترقيعات الأمنية والخصائص الأخيرة التي تتناسب مع العتاد الأخير للبشرية.

على الرغم من هذا التحديث، إلا أنّ العالم يشهد العديد من الحركات الدينية الجديدة مثل النسخية أو دين الإنترنت، وديانة تيراسم التي تؤمن أنً الموت اختياري وأن الله هو التكنولوجيا، كذلك ديانة معبد جيداي الذي يتبع أعضاؤه مبادئ العقيدة المركزية لأفلام حرب النجوم، ويسعى أتباعه إلى الحصول على اعتراف به بوصفه منظمة دينية، وغيرها من الديانات الغريبة المستحدث بعضها من هوليوود، هذا بالإضافة للآلهة الغريبة التي نرى من حين إلى آخر إعلان شخص ما أنه صاحب قدرات خارقة ثم يقوم بتنصيب نفسه إله.

  1. مرحباً عزيزي ما هي مهنتك؟
  2. أنا أعمل كإله.
  3. آه، أفهم أنك سوبرمان!
  4. كلا، أنا أعظم، أنا باتمان.

تتشابه الأديان السماوية في الكثير من الأساسيات وتختلف في بعض الفرعيات، فقد نقلت الأديان الأرضية العديد من بُنود وأفكار الديانات السماوية، ثم تداخلت أفكار الأديان الأرضية والأديان السماوية، مما أدى إلى حدوث التداخل واقتراب الأديان أكثر من صورة واحدة، ومن تطورات الدين عبر الأزمان في خيال الفلاسفة، ما حدث مع الفيلسوف أوجست كونت في القرن التاسع عشر الذي آمن أنّ الأديان السابقة والمعتقدات الإلهية قد انتهى وقتها، وأنه يجب أن يكون هناك دين جديد – لأن الدين أساسيٌ للمجتمع – واقترح دين جديد للإنسانية تحت مسمى الإيجابية وهو نظام قائم على التقدم والحب والقوانين والعلم.

  1. أرغب في إنشاء دين جديد، هل ترغب أن تحصل على واحد؟
  2. لا، شكراً لك، لقد قمتُ بذلك قبل أيام.

أما في النظرات المُختلفة للدين والفلسفات المتنوعة للأفكار بشكل عام، فلا الحصر، يحتار اللاأدري قائلاً لا أستطيع تحديد إذا كان هُنَاك دينٌ أم لا، ويرى الملحد أنه لا وجود لإله من الأساس ليكون هُنَاك دين، أما اللاديني فيعتقد أنّ الدين اختراعٌ بشري، ويُعلق التحليلي متسائلاً: دعونا نرى ما هو الدين، فيرد التجريبي أنه يجب أن يشعر بتأثير الدين ليؤمن بوجوده، بينما يرى المثالي أنّ هذا الدين موجودٌ هكذا لأن الدين الحقيقي يقبع في عالم المثل، بينما يرى الوجودي أنّ مخرجات الدين لا تتحقق إلا بالمعاناة والتجربة، أما العبثي فيعتقد أنه لا جدوى من وجود الدين من الأصل، والعدمي لا يعلق بشيء ويستمر سائراً، هكذا العقول البشرية المُختلفة النابعة من خلفيات فكرية أو ثقافية مُحددة.

ما الدين

ما الدين إلا منظومة من القيم التي تحقق حياة كريمة للإنسان، مجموعة من المفاهيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات يفهمها الإنسان في سياق مصلحة الجميع ويحاول أن يعيشها، ومن المفترض ألا يكون للدين قوانين جامدة وصارمة كالدستور، بل هو روح يتشربها الإنسان ليعيش بسعادة في المجتمع، ولو كان الدين مُجرَّد قوانين لكان من السهل التحايل عليه كما فعلت أمم سابقة، وكما تفعل الآن الأمم التي تمتلك دساتيراً بقوانين واضحة، لكن الدين روحٌ سامية تحاول تحقيق العدل والمساواة والحُريّة، وفهم مغزى الدين من المفترض أن يُؤَدِي بنا إلى التطبيق الحقيقي له، ومن المفترض أنّ الدين يريد من كل فرد أن يكون صالحاً في نفسه، مُفيداً لغيره، ويتم ذلك عبر قوانين إلهية كألا نعتدي على حُريّة الآخرين بل ونحافظ على حقوقهم وننشر العدل والمساواة.

وبناءً على هذه الأسس، نحن بحاجة إلى البحث عن رسالة من ربٍ عظيم تحتوي على مجموعة من المبادئ والأفكار لنعيش في هذه الحياة وفق القانون الأخلاقي على أنسب وجه، والقانون الأخلاقي هو السر الذي ننطلق منه لمعرفة مدى صدق أي مُدّعي، هو قفل الله الذي وضعه وأودع مفتاحه مع رسله لكي نميّز صدقهم من زيفهم، وقد بتنا نعلم أنّ هذا الإله لو قدّم نفسه بصورة مباشرة لفسدت العملية، وطريقة الإله في إرسال رسالته كانت عبر إرسال بشر مثلنا ليوضحوا رسالته، لذلك يجب أن نتعمق في شخوص الرسل، ونخوض في محتوى الرسائل ونعرض كل من الرسل والرسائل على القانون الأخلاقي.

من المفترض ألا يكون الدين مُجرَّد نظرية عقلانية، بمعنى أنه لا يجب أن نجد قواعد منطقية مكتوبة ومن يتبعها يصبح مُؤمِناً تلقائياً كما لو أنه يقوم بحل مسألة رياضية، بل يجب أن يقدم لنا الدين في رحلة البحث عن الإيمان تجربةً روحية، لأن العقول تختلف في تفكيرها الثقافي، فإذا ما تم تغذية القانون الأخلاقي داخل هذه العقول بشكل مناسب فإننا سنشعر بالتجربة الروحية الحقيقية.

ولو تأملنا الحياة من حولنا لرأيناها مليئة بالعديد من الأمور غير العقلانية، والتي تنبع من القلب والروح مثل عاطفة الحب كالأبوة والأخوة والزواج والصداقة، وهذه عواطف أساسية للحياة فهي تملأ حياتنا وتسد حاجات نحن في أشد الحاجة إليها، وهذا يعني أن الإنسان يحتاج إلى ما يشعره بالملء الروحي والتكامل ومحاولة منحه الطمأنينة [172]، وهذا يُعد من أهم شروط قياس جدوى الدين والرسل، وعلى الرغم من أنّ الدين يستند إلى العقل في إثبات خلوه من تناقضات وعقبات، إلا أنّ دور العقل يكمن في محاولة وصف الطريق للوصول إلى أسوار الحقيقة، إنك تستطيع أن تقنع إنساناً بالعقل أنّ ما وراء هذه الأسوار حديقة جميلة، لكن اقتناعه بذلك لا يكفي ليستنشق أريج زهورها ويستمتع بمناظر أشجارها، بل يجب أن يدخل تلك الحديقة لينعم بذلك الشعور الجميل.

ولأن كثير منا قد رضع دين والديه، فإنّ فكرة التجرد والبدء من الصفر لبناء الأفكار الدينية لن تكون بتلك البساطة، لأن شيئاً كهذا سيعكر استقرار الشخص، ولو حصل واتخذ أحدنا هذا القرار في لحظة ما بأن يبدأ رحلة مقارنة دينه بأديان أخرى في محاولة البحث عن الصواب فسيكون موقف المحايد صعباً ولا شك، لأن البحث في الآراء الأخرى سيكون مع الكثير من الأماني بأن يكون على صواب، حتى لا ينهار كل ما عاشه وبذله في حياته، ولا تمايز أو أفضلية إن وجد أحدنا نفسه بوذياً والآخر مسيحياً فلا أحد منا اختار دينه، يجب علينا محاولة التعايش مع بعضنا والنقاش في سبيل البحث عن الحقيقة، أما الحروب فلا يستفيد منها إلا من يبحث عن المزيد من النفوذ.

وينبغي لنا التمييز بين الدين والتدين، فالدين هو مجموع التعاليم المقدسة الصادرة عن مصدر ذي مكانة مرموقة تخوّله البث في أمور الدين وهي تتلخص في الإيمان والأخلاق، أما التدين فهو المُمَارسة الفردية أو الاجتماعية أو آليات تطبيق تلك التعاليم الدينية، لذلك هُنَاك فرق غالباً بين ما يريده الدين وما يمارسه الناس في حياتهم باسم الدين.

وفي حديثنا سيكون التركيز على الإسلام آخر الأديان السماوية والأقرب لمواصفات الإله التي وضعناها، والأديان السماوية هي أفضل من تحمل هذه البذرة، وتقرب صفات الإله التي افترضناها، وكتاب هذا الدين هو القرآن، ورسوله محمد، ومكان نزوله الجزيرة العربية، ورسالته شاملة للعالمين، أما كيفية مطابقة الإسلام للمواصفات التي وضعناها، فهو عنوان كتاب آخر، وهل هذه القفزة الكبيرة تمت بهذه الجملة البسيطة عزيزي الكاتب؟ للأسف، زادت صفحات الكتاب كثيراً، لذلك يجب فصل هذا الأمر في كتاب آخر.


صورة 31 آيات من العهد القديم، التوراة

اليهودية هي أحد الأديان السماوية التي أنزلها الله على نبيه موسى قبل أكثر من 3000 عام، وقد بدأت بالوصايا العشرة على ألواح العهد ثم بالتوراة، التي تم تدوينها بعد السبي البابلي، أي بعد ألف عام من نزولها، ثم بعد ذلك بـ500 عام تم تدوينها للمرة الثانية، ويُلاحظ في التوراة أسلوبها الذي يظهر أنه يحتوي على كلام الله وكلام سنة موسى والأنبياء من بعده وسنة بني إسرائيل والأحداث التي حدثت لهم من بعد موسى، أي أنّ كلام التوراة خليط من كلام البشر وكلام الرب،

واليهودية ديانة معتمدة على الدم، أي أنك لتكون يهودي يجب أن تولد من أم يهودية، وإلا لا يمكن اعتبارك يهودي وإن آمنت بكل المعتقدات، ولهذا نجد أنّ أتباعها أقلّة، ونرى في اليهودية تبسيط للإله الذي يبكي ويمكن هزيمته على يد البشر، وهو يخطئ ويثور ويغضب ويندم، ولا ثواب أو عقاب في الآخرة.


اترك تعليقاً