لو أراد الله عباداً لا يفكرون، لخلق الناس كلهم مُؤمِنين وانتهى من هذه المسألة بالكامل، أو لتجلّى لهم بعظمته، لكنّ الله يريد لهذا العقل أن يهتدي بنفسه عبر البحث والتفكير، وإذا كان الله يريد لهذا العقل أن يفكر ويتوصل إلى خالقه بنفسه، فلا يجب على أحد أن يُغصب على الإيمان، والآيات التي تدل على هذا كثيرة منها ما قاله الله معاتباً رسوله: ) أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مُؤمِنين(، حتى وإن مال أي إنسان أمامك لارتكاب معصية، لا تملك من أمرك إلا أن تنصحه ما دام لا يضر غيره، هذا الملك يريد من يعبده محبةً لا خوفاً، لا حاجة لهذا الملك بالعبيد، إنه ملكٌ عظيمٌ يُريد أحراراً يُحبهم ويُحبونه.

لذلك من المُفترض أن ننظر نظرة صحيحة إلى من أعمل عقله، ونعتقد أنه قد خطى أول خطوات الإيمان، علينا أن نسير معه في رحلته ونُمهد له الطريق، لا أن ننبذه، أغلب العرب ولدوا مُسلمين فهم يسلمون بوجود هذا الإله، لكن الإيمان الحقيقي بالله يتطلب هذه الرحلة، رحلة الشك التي تنتهي بالإيمان، ونحن أولى بهذا الشك من إبراهيم، هذا الإله العظيم يريد عباداً حقيقيين، يقدرونه ويعلمون قدره وقدرته وعظمته، لا عبيد مغلوبين على أمرهم، يسيرون مكبلين بالأفكار الخطأ، حاشاه أن يكون مثل ملِكٍ ظالم يحب أن يرى العبيد حوله يتقربون إليه خوفاً من سوطه، لا رغبةً في رحمته ودهشةً بعظمته.

لا توجد آية واحدة في القرآن إلا وتشجع على إعمال العقل، فكل آيات القرآن تقول لك فكّر، كل آيات التوبيخ تدل عن أنّ الكافرين لا يفكرون، كل الذم لهم لأنهم لا يُعملون عقولهم.

  1. )لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون( (164) البقرة
  2. )وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ( (42) يونس
  3. )لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (4) الرعد
  4. )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (12) النحل
  5. )لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (67) النحل
  6. )لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (35) العنكبوت
  7. )لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (24) الروم
  8. )أَفَلَا يَعْقِلُونَ( (68) يس
  9. )وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ( (5) الجاثية

والآية الأخيرة تتكلم عن اختلاف الليل والنهار والسماء والأرض، والتي تعتبر في زماننا عن اكتشافات الفضاء والفلك، وهي من الأمور التي يجب عليك أن تتفكر بها لكي تعقل، يجب عليك أن تبحث فيها بعمق لكي تجد هذا الإله الذي خلقها، أما شر الدواب عند الله هم )الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ( (22) الأنفال.

وقد شدد السيد زقزوق وزير الأوقاف المصري على أنّ الإسلام يدعو إلى الاجتهاد وإعمال العقل والبحث، فمن المأثورات النبوية قصة معاذ بن جبل عندما أرسله النبي عليه الصلاة والسلام قاضياً إلى اليمن‏، فقد سأله كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال‏:‏ بكتاب الله‏، قال فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله‏، قال فإن لم تجد؟ قال‏:‏ أجتهد رأيي ولا آلو‏‏ (أي لا أقصر)‏،‏ فأثنى الرسول على معاذ، وقال‏:‏ الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضي الله ورسوله‏، وأضاف زقزوق فلما كانت العقول تتفاوت والأفهام تختلف في إدراكها وتصوراتها فإنه من الطبيعي أن يكون هُنَاك اختلاف في الآراء بين المجتهدين على مر العصور‏، ومن هنا نشأت مذاهب الفقه الإسلامي المتعددة‏، وكان في ذلك تيسير كبير على جمهور المُسلمين‏، وانتشرت بينهم العبارة المشهورة اختلافهم رحمة، ومن هذا يتضح أنّ إعمال العقل من ضروريات هذا الدين، ولهذا نرى تغير الفتوى بتغير الحالة التي صدرت فيها، فعلى الرغم من أنّ عتق الرقاب كفارة القضاء في الصيام، إلا أنّ علماء المُسلمين أفتوا لمن يملك المال الوفير بأن يصوم، لأن الغني لن يشعر بجهد إخراج المال تعويضاً عن خطئه، بل عليه أن يمر بطريقة أخرى أكثر تعباً، وكذلك تغيرت الفتوى في زمن تفشي الفايروس إلى تأثيم إفشاء السلام بالتلامس بعد أن كان هز الأيدي في السلام من موجبات إبداء المحبة.

نحن لا نتعجب لماذا خلق الله السماء بلون أزرق مع أنه سؤال ممكن، ولماذا يقارب طول الإنسان 2 متر، ولماذا فرض الكثير من الأمور، نحاول أن نفهم قدر المستطاع، لا يشترط السائل على الرب إقناعه بمعقولية أمره لينفذ، وإنما هذا جزء من العبادة الطاعة لله فيما نعرف حكمته وما لا نعرف، لكل أمر حكمة بالتأكيد، لكنه لن يكون عبداً من يطلب الاقتناع قبل التنفيذ، فالصيام هو كالصلاة عبادة بالغيب، وكل تعليل هنا ورطة عقدية، بل وتناقض منطقي، لأن أي إجابة ستكون منقوصة حتماً، محاولة الفهم جيدة، وعدم الفهم لا يتطلب الغضب.

وهُنَاك جانبان من التكاليف في الإسلام:

  1. معاملات معروف حكمتها وحكمها وعلتها.
  2. عبادات معروف حكمها ومجهول حكمتها مثل لماذا نصلي العصر أربع ركعات والمغرب ثلاث.

جزء من التكاليف تعبدية نقوم بها دون معرفة علتها ونقوم بذلك بدافع الحب، نقوم بأشياء لا نقتنع فيها، ولو أنّ ابنك طلب طعاماً معيناً لا تحبه أنت ولكنه يهواه، فستجلبه له من باب المحبة، ونستشهد بمقولة عمر بن الخطاب للحجر الأسود حينما قال أنّه يقبل الحجر الأسود لأنه رأى الرسول يفعله وهو من شرائع الدين، مع أنه يعلم أنّ الحجر لا يضر ولا ينفع، والصحابة والسابقين علموا أنّ الإسلام لا يمنعك التفكر وإعمال العقل.

أولاً وقبل كلّ شيء، هُنَاك في حقلك المقدَّس أيُّها الاله المهيمن ليت حبة الأرزّ الأخيرة التي سيحصدونها، ليت الحبة الأخيرة من الأرزّ التي ستحصد، بحبات العرق المتساقط من سواعدهم، وتشدّ مع الوحل العالقين بالفخذين، ليت هذه الحبة تزدهر بفضلك، وتنفتح سنابل الأرزّ التي تتوق إليها الأيدي الكثيرة، فتكون أولى الثمرات في الشراب وأعواد النبات[178].

صورة 36 بعض أدعية الصلاة في الديانة الشنتوية

الشنتوية ديانة ظهرت في اليابان وهي الدين الأساسي فيها، وهي ترتكز على عبادة الطبيعة، حيث تعظيم الشمس والطعام وحتى الأجداد والأسلاف والأبطال والملوك، وللشرف قيمة عليا عند الفرد الواحد، الذي يسعده أن يضحي بنفسه في سبيل الشرف.


اترك تعليقاً